عادة في الطب تُكْتَشف خلطات الأدوية من أجل شفاء البشرية من عللها، وأدوائها، والتخفيف من أوجاعها، وآلامها، أو الحد من تدهور صحتها العامة. إلاَّ أن الأمر مختلف تماماً في «الخلطة» السياسية التي تُعالج بها كوارث «الربيع العربي» الذي غدا سُمه دماء وقيحاً، وبنيانه دماراً، ونتائجه عاراً وشناراً في جبين البشرية التي تُعاني من شحنات الإرهاب الناسفة لكل معنى جميل في هذه الحياة الواقعة في رهب العنف والتطرف بشتى صوره. ولفَّت هذه الخلطة أحابيل السياسة العالمية أو الدولية التي التفت حول عنق هذا «الربيع» المزيف ليزداد حال العالم العربي والإسلامي ضيقاً وضنكاً. فلنسلط الضوء على ما يجري من أحداث ساخنة أو ملتهبة على الساحة السورية، والعراقية، واليمنية، والليبية، لأن صوت المعركة ضد الإرهاب والتطرف أعلى من المعارك التي مرت على البشرية منذ الخليقة. مقابل كل هذا الانحدار في الأوضاع هُناك وصفة سياسية لها سمة الاستدامة منذ الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين الجريحة والكسيحة، وهي «السلام» الدائم في الشرق الأوسط، الحل الأمثل لكل ما يحيط بهذا الشرق من حبال المهالك والمسالك التي ضاقت بنفسها عن السعة. إضافة إلى ذلك صوت آخر أكبر من صوت المعركة القائمة ضد الإرهاب، وهو بلغة السياسة الصرفة صوت المصلحة الدائمة على حساب الصداقة الدائمة، فالأولى تدفع بالأخرى نحو الهاوية إذا ما تضاربت المصالح ولجلجت وإن بدا في جزء من الأفق للبعض، بأن الحق أبلج إذا ملكنا شجاعة الانتصار حتى الانتهاء من كل ذلك. فالأزمة السورية الطاحنة تتفاقم مع استمرار براميل النظام الساخنة والمزيد من قصف الطائرات الروسية وسكاكين وحراب وبنادق الميليشيات الإيرانية و«حزب الله» اللبناني الذي كشف عن وجهه المتطابق مع ولاية الفقيه في ما يأمر أو ينهي بعيداً عن صوت الحكومة اللبنانية الخافت في كل ما يجري على هذه الأرض أو غيرها من البقاع الساخنة تحت أقدام الطائفية الجامحة. ومع إقرارنا بهذا الواقع المرير، لا بد أن نعرف من صاحب المصلحة العليا لعودة الهدوء إلى سوريا، النظام ذاته أم روسيا، أو إيران وتركيا، أم دول التحالف قاطبة. الكل متفق في العنوان العام للحرب على الإرهاب عالمياً، فكل الحروب العالمية السابقة والسيئة الذكر انتهت بالنسبة لمشعليها سخاء ورخاء، نهضة وتنمية، وتقدماً واختراعات، وأفكار حضارية، راقية وعالية القدر. وليس هناك أي إشارة سياسية، بأن هذه الحرب الراهنة على الإرهاب نهايتها ديمقراطية، ولا إسلامية، أو وطنية، فهي أقرب إلى العدم الذي لا اسم له، وقد احترق وقود القومية العربية التي كانت الأجيال السابقة لهذا العهد تتغنى بها كلما ادلهمت الخطوب، وضلَّت الدروب. رغم التحالف الظاهري القائم ضد الإرهاب، فهناك أجندات خفية تعمل عملها الأكثر تدميراً لأي إنجاز ظاهر للعيان، سواء في سوريا، أو العراق، أو اليمن، ومعها ليبيا التي حرصت روسيا لاحقاً وقوفها مع «حفتر» وهو ذاته تكرار السيناريو السوري هناك. في نهاية هذه الخلطة السياسية المؤذية، هل للشعوب مصلحة في استمرار هذا الوضع والحال المزري؟ فعلى المستوى الأميركي، سوريا تسمى لغزاً محيراً، فالسياسة فيها لم تتضح بعد لأن ساعة «ترامب» لم تحن بعد، وحتى وقت نزول أوباما من العرش الأميركي في عشرين يناير 2017، واعتلاء القادم الجديد عليه تكون الخلطة السياسية أكثر إيذاءً على المدى المنظور، فالحرب في العراق حسب تصريح قائد قوات التحالف الدولي في العراق الجنرال «ستيفن تاوسيند»، سوف تستغرق عامين من القتال الصعب للقضاء على «داعش» في الرقة السورية والموصل العراقية، ثم القضاء على البقايا التي ستهرب على الأرجح إلى الصحراء الشاسعة الخاوية التي تفصل بين سوريا والعراق. أما عن سوريا على وجه التحديد، فقد وصفت "لورا كنج مراسلة صحيفة «لوس أنجلوس تايمز»، التنافس العسكري والدبلوماسي بين القوى العالمية الكبرى على سوريا بأنه يشبه مصطلح «اللعبة الكبرى» الذي يستخدمه المؤرخون للإشارة إلى الصراع الذي وقع في أفغانستان، وعبر آسيا الوسطى في القرن التاسع عشر بين روسيا القيصرية وبريطانيا الاستعمارية، بيد أن سقوط حلب السورية في قبضة قوات الحكومة «الأسد» وحلفائه يفتح فصلاً جديداً في الصراع على السلطة يمتد إلى ما هو أبعد من حدود البلاد. هذه الخلطة السياسية المؤذية على سوريا وغيرها من رفيقات دربها في الصراع لم تأت أكلها بعد خيراً على الشعوب التي ضاعت مصالحها الحقيقية وسط المواد السياسية السامة التي سميت تنافساً دولياً على تلك البقاع، وليست سوريا وحدها.