عادة ما تكون معظم المذكرات التي يكتبها مسؤولون سابقون في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) دفاعية أو قومية متطرفة، والأنكى من ذلك أنها تكون مملة. وبعض المؤلفات التي يكتبونها يُحكم عليها بالفشل بسبب الرقابة الإلزامية الشديدة التي تفرضها الوكالة. غير أن هناك بعض الاستثناءات، ومنها كتاب «إحاطة الرئيس.. استجواب صدام حسين»، الذي كتبه الضابط السابق في «سي آي إيه»، «جون نيكسون». وكان «نيكسون» أول من استجوب الرئيس العراقي الأسبق، إثر القبض عليه في ديسمبر 2003، ويكشف في كتابه حقائق مذهلة حول الرئيس العراقي الراحل، ويثير تساؤلات جديدة حول الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى إرهاق نفسها بغزو العراق بهدف «إقصائه من السلطة». وعلى الأرجح ستفزع هذه الحقائق الأميركيين الذين شاهدوا دولتهم تُهدر الغالي والنفيس في العراق منذ ذلك الحين. ويقدم نيكسون في كتابه اتهاماً قاسياً لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وما يراه خللاً وظيفياً في الوكالة في تقديم المعلومات المخابراتية للرئيس وصنّاع السياسات. ويزعم أن الوكالة تتلهف على إرضاء الرئيس، أي رئيس، بدرجة تجعلها تطلعه دائماً على الإجابات التي يريد أن يسمعها! ويأتي كتاب «نيكسون» في مرحلة استثنائية، إذ يبدو أن الرئيس المنتخب «دونالد ترامب» يخوض بالفعل حرباً مع الوكالة؛ حيث هاجم تقييمها بأن روسيا تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأميركية للمساعدة في وصولوه إلى البيت الأبيض، واستشهد بإخفاقات الوكالة في الحصول على معلومات دقيقة قبل الحرب على العراق، للتدليل على أن «سي آي إيه» كثيراً ما تخطئ! ويصب «إحاطة الرئيس» البنزين على نيران الانتقادات التي يقودها ترامب ضد الوكالة، ويوجّه رسالة شديدة اللهجة إلى أي شخص يعول على الوكالة في الوقوف أمام ترامب بمجرد تقلده مهام منصبه رسمياً. وكان «نيكسون» يتأهب لاستجواب صدام حسين قبل سنوات من لقائه. وتخرج المؤلف من جامعة «نيويورك» ودرس أيضاً في جامعة «جورجتاون»، حيث كانت أطروحته للماجستير عن الرئيس العراقي. وانضم إلى وكالة «الاستخبارات المركزية الأميركية» في 1998، وتم تكليفه بصورة مباشرة بمهمة «محلل قيادة» بشأن العراق، ويعني ذلك أن وظيفته كانت دراسة شخصية الرئيس العراقي طوال الوقت. وعمل «نيكسون» محللاً في العراق قبل أن يلقي الجيش الأميركي القبض على صدام حسين، ثم طُلب منه التحقق من شخصيته بحيث يتأكد الأميركيون من أنهم اعتقلوا الشخص الصحيح. وأكد «نيكسون» هوية الرئيس العراقي بفحصه وشماً قبلياً كان في كتفه الأيمن، وندبة من أثر رصاصة تلقاها في عام 1959. وبمجرد أن بدأ ضابط الـ«سي آي إيه» عملية الاستجواب، أدرك أن كثيراً مما يعتقد أنه كان يعرفه عن صدام كان خطأً. وأكبر اكتشافاته أنه مع اجتياح الولايات المتحدة للعراق في مارس 2003، كان صدام قد تخلى عن تولي الإدارة اليومية للحكومة العراقية لصالح مساعديه، وكان يقضي معظم وقته في تأليف «رواية»! ووصف صدام نفسه لـ«نيكسون» بأنه رئيس العراق وكاتب، واشتكى لمستجوبه من أن الجيش الأميركي أخذ منه مؤلفاته، ومنعه من إتمام كتابه. وفيما يعرف كثيرون صدام على أنه «ديكتاتور قاسي»، فإن الرجل الذي يصفه كتاب «إحاطة الرئيس» لم يكن «في مهمة لتفجير العالم»، مثلما حاولت إدارة بوش أن تزعم لتبرير غزوها العراق. وتساءل المؤلف في كتابه: «هل كان يستحق صدام الخلع من السلطة؟»، ويجيب قائلاً: «لا يمكنني التحدث سوى عن رأيي الشخصي عندما أقول إن الإجابة القاطعة هي: لا». وبرر ذلك بأن صدام كان مشغولاً بكتابة الروايات في 2003، ولم يكن هو من يدير الحكم. والمفاجئ أن «نيكسون» يقول: «إن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كانت لديها بعض الأدلة على ذلك قبل الغزو، لكن لم يتم الكشف عنها أبداً لصانعي السياسات، ولم يُكشف عنها إلا بعد الحرب». ويشير إلى أنه بحلول 2003، أصبحت معظم السلطات بيد المسؤولين في إدارة صدام، بقيادة نائب الرئيس العراقي طه يسين رمضان، الذي «ضيّع فرصاً متكررة لكسر العزلة الدولية للعراق». وبخصوص أسلحة الدمار الشامل المفترضة التي يمتلكها العراق، والتي كانت مبرراً لغزو عام 2003، يزعم المؤلف أن صدام أقرّ له بأنه كان من الخطأ ألا يوضح قبل الحرب أنه تخلص منها قبل وقت طويل. وأضاف: «تحول صدام إلى فيلسوف عندما سأل كيف أخطأت أميركا بشأن أسلحة الدمار الشامل»، ونقل عنه قوله: «إن روح الاستماع والاستيعاب لم تكن موجودة.. ولا أستثني نفسي من ذلك اللوم!». وائل بدران الكتاب: إحاطة الرئيس المؤلف: جون نيكسون الناشر: بلو رايدر برس تاريخ النشر: 2016