بينما تواجه بكين وأكثر من 20 مدينة أخرى في شمال الصين أزمة تلوث الهواء مع دخول فصل الشتاء، والتي تؤدي إلى حالات اختناق وهواء مسمم وخوف الناس من الخروج، يتساءل المراقبون متى ستبدأ الصين إحراز تقدم حقيقي في مواجهة هذه المشكلة. لكن ثمة أنباء سارة.. فعندما يتعلق الأمر بتنظيف الهواء، تتقدم الصين على الولايات المتحدة الأميركية بوتيرة تاريخية على أساس المقارنة عند هذه المرحلة من التطورات الاقتصادية. وبالطبع، تواجه الصين مشكلات تلوث خطيرة، إذ تعتمد الدولة بشدة على التصنيع، وتتردد الحكومة في إغلاق شركات مربحة، والفحم مصدر مهم للطاقة، واستخدام السيارات في تزايد، ولا تمتلك الحكومة المركزية سلطة كافية لفرض إرادتها على السلطات المحلية.، بيد أن معظم هذه المشكلات، مُنيت بها الولايات المتحدة أيضاً في منتصف القرن العشرين. وللمساعدة على توقع متى تبدأ الدول محاربة تلوث الهواء بصورة ناجحة، طور خبراء اقتصاد مقياس اشتهر باسم «منحنى كوزنيتس» البيئي. ويظهر هذا المنحنى أن المجتمعات تنتج مزيداً من التلوث، عندما تنتقل من الفقر إلى الغنى، لكن في مرحلة ما، عندما تصبح غنية جداً تبدأ في تنظيف البيئة، ومن ثم يتراجع التلوث. فالأشخاص المرفهون لا يحبذون تنفس هواء ملوث، ومن ثم يضحون ببعض النمو الاقتصادي مقابل بيئة أفضل. وتوصلت دراسة شهيرة، أعدها الخبيران الاقتصاديان «جين جروسمان» و«ألان كروجر»، إلى أن نقطة التحول على صعيد تحسين البيئة تأتي (في جميع الحالات) عندما يتراوح دخل الفرد سنوياً في هذه الدول بين 17 و18 ألف دولار سنوياً. ويقدر دخل الفرد في الصين سنوياً في الوقت الراهن بما يزيد على 14 ألف دولار سنوياً. ويعني ذلك أن الصين ربما لا تكون بعيدة عن بدء تنظيف هوائها، بل إن جودة الهواء تعتبر بالفعل من بين القضايا السياسية المهمة في بكين. وترد الحكومة الصينية على مشكلات التلوث بإغلاق مصانع وفرض قيود على السيارات بوتيرة أسرع مما اعتادت عليها، وبصورة عامة، توجد بيانات أفضل وشفافية أكبر من صناع السياسات. وتؤكد السفارة الأميركية في بكين حدوث تحسن جزئي على صعيد مواجهة التلوث خلال العام الماضي. وخلال العامين الماضيين، كانت هناك مقترحات تشير إلى تحول الصين إلى اقتصاد يقوم على الخدمات يعني أنها قد وصلت إلى نقطة التحول بالفعل. وأما عن الولايات المتحدة وتاريخ محاربتها لتلوث الهواء، فالواقع هو أن التقدم حدث على فترات زمنية متقطعة، ففي منتصف أربعينيات القرن الماضي، تخلت الولايات المتحدة عن حرق الفحم القطراني، وبلغت انبعاثات «المواد الهبابية» إلى ذروتها في خمسينيات القرن الماضي. وقفزت انبعاثات أول أكسيد الكربون في 1970 قبل أن تتراجع بشكل كبير. وقفزت انبعاثات المواد العضوية المتطايرة (والتي تعتبر العامل المسؤول عن تلوث الأوزون) في 1970. وتناقصت الأمطار الحمضية بعد أن بلغت انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت ذروتها في العام ذاته. وقفزت انبعاثات ثاني أكسيد النيتروجين في 1980. وعلى الصعيد التشريعي، تم تمرير قانون الهواء النظيف في 1970، لكن كثيراً من التحسينات الناتجة لم تكن مباشرة. وفيما يتعلق بمتوسط الدخل، بدأت الولايات المتحدة تحسين مشكلة التلوث الهوائي في منتصف ستينيات القرن الماضي، عندما كان متوسط دخل الفرد 28 ألف دولار سنوياً. وعلى منحنى «كوزنيتس»، يعني ذلك أن الولايات المتحدة تباطأت في الحد من مشكلات التلوث لديها مقارنة بالدول الأخرى، التي بدأت إجراء تحسينات عندما قارب متوسط دخل الفرد السنوي لديها 17 ألف دولار. وأما بالنسبة للصين، لو أنها انتظرت حتى يصبح دخل الفرد السنوي لديها ضعف ما هو عليه في الوقت الراهن كي تبدأ محاربة مشكلات تلوث الهواء، فإنها عندئذ ستوازي تقريباً وتيرة التقدم التاريخي للولايات المتحدة في هذا الصدد. لذا أتوقع أن تمضي الصين بوتيرة أسرع، كما أن المرافق الصينية وبنيتها التحتية تقدم سبباً إضافياً للتفاؤل. وعلاج مشكلة التلوث في الصين سيحتاج إلى نقل الإنتاج الصناعي من المدن الكبرى، وزيادة الاعتماد على بدائل الفحم، مثل الطاقة النووية والغاز الطبيعي والطاقة الشمسية. الصين تحرز تقدماً بوتيرة أسرع من الولايات المتحدة، حسبما تشير المؤشرات التاريخية. تايلر كوين: أستاذ الاقتصاد في جامعة «جورج ماسون» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»