يبدو أن منطقة العملة الأوروبية الموحدة «اليورو» تقف عاجزة أمام أزمة اليونان المتفاقمة، حيث ارتفع الدين العام إلى نسبة قياسية من الناتج المحلي الاجمالي بلغت 176% وهو معدل قياسي لم تصله أي من دول الاتحاد الأوروبي من قبل، وذلك رغم إجراءات التقشف العديدة التي اتخذتها الحكومة اليونانية. لقد سبق وأشرنا في مقالة سابقة بأن طريقة معالجة أزمة اليونان المالية عن طريق ضخ المزيد من الأموال لن تجدي نفعا ولن تساهم في حل أزمة اليونان الاقتصادية الهيكلية، بل إن ذلك سيزيد من الأعباء المالية على الطرفين اليوناني والأوروبي، وهو ما حدث بالفعل، إذ ارتفع حجم الديون السيادية إلى 311 مليار يورو (353 مليار دولار) حيث تقف الحكومة عاجزة عن زيادة ايراداتها للوفاء بالتزاماتها المالية وتقوم بتسديد جزء من القروض وفوائدها من خلال قروض ودفعات جديدة. ويبدو من الاجتماع الأخير لوزراء المالية لمنطقة اليورو أن الأزمة اليونانية عادت للمربع الأول في ظل خلاف حاد بين قطبي الاتحاد القويين، ألمانيا وفرنسا في كيفية التعامل معها، فألمانيا تعارض شطب جزء من الديون على اعتبار أنها من موّل هذه الديون بصورة رئيسية يساندها في ذلك رئيس منطقة «اليورو» ووزير المالية الهولندي الذي رفض إلغاء أي من المبالغ المستحقة، في حين تطالب باريس مدعومة من إسبانيا بإلغاء جزء من الديون لتمكين اليونان من التغلب على أزمتها. من جانب آخر يهدد صندوق النقد الدولي بالخروج من خطة إنقاذ اليونان لقناعته بعدم جدوى عملية الانقاذ ويحاول نقل ديونها للصندوق إلى «آلية الاستقرار الأوروبي الدائمة»، وهو ما ترفضه ألمانيا أيضاً وتسعى إليه رئيسة الصندوق الفرنسية «كريستين لاجارد»، مما يعني أن الأزمة في طريقها لفصول جديدة أكثر صعوبة بسبب محدودية قدرات الحكومة اليونانية والتناقض الشاسع بين مختلف الأطراف، سواء داخل الدول 19 الأعضاء في منطقة «اليورو» أو بينها وبين الأطراف الدولية الأخرى. وحتى إشعار آخر، فإن الاستمرار في صرف مبالغ جديدة من ما تبقى من الدفعة الثالثة من حزمة الإنقاذ الأوروبية البالغة 86 مليار يورو ستبقى محل جدل كبير، إلا أنه حتى في حالة الاستمرار في عملية الصرف، فإنها لن تؤدي إلى حل الأزمة اليونانية المستفحلة، بدليل أنه لم يحدث تقدم ذي أهمية منذ أن بدأت عملية الإنقاذ، وذلك لأكثر من سبب، يأتي في مقدمتها عدم قدرة الحكومة اليونانية على اتخاذ المزيد من إجراءات التقشف لزيادة الإيرادات بسبب عواقبها الاقتصادية والاجتماعية، حيث فقد الاقتصاد هناك قوة دفعه الذاتية وبات مرتهناً إلى المزيد من القروض الخارجية. من هنا، فإن مطالبة ألمانيا وهولندا باتخاذ المزيد من إجراءات التقشف للحصول على دفعات جديدة من القروض، هي مسألة غير عملية وغير مجدية وستثير المزيد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، كما أن شطب الديون لن يحل بدوره أزمة اليونان، وفي الوقت نفسه سيكبد المانحين ومؤسساتهم المالية خسائر جسيمة. يبقى هناك حل آخر ولكنه مؤلم لليونان ولمنطقة «اليورو» ولصندوق النقد الدولي، وهو إعلان إفلاس اليونان لعدم قدرتها على الوفاء بالتزاماتها، وبالتالي خروجها من منطقة «اليورو»، وهو ما سيشكل نكسة كبيرة ربما تدفع ببلدان أخرى متأزمة مالياً، كإيطاليا وإسبانيا لاتخاذ نفس الإجراء، مما يعني انهيار المنظومة بأكملها. هل يحدث ذلك؟ مع أنه من الصعب التكهن بما سيحدث، إلا أن كافة الاحتمالات واردة، فإعلان إفلاس اليونان ربما هو الطريق الصعب المتاح حالياً، حيث يتعين على ألمانيا وفرنسا بصورة أساسية العمل على منع انتقال الأزمة إلى بقية أعضاء «اليورو» للحفاظ على تماسك عملتهم بعد تجاوزهم للأزمة بخروج اليونان التي لم تكن مهيأة أصلاً عند انضمامها، بذلك فقط يمكن الحفاظ على العملة الأوروبية الموحدة.