عندما راجعتُ 48 مقالاً أسبوعياً لي منشوراً هنا هذا العام، أدهشني الأمل المستميت للناس والمؤسسات والبلدان. «روسيا عام 2016» عنوان أول مقال، وكان عن «انتقال روسيا من مرحلة الانتقال للاشتراكية إلى مرحلة الانتقال للرأسمالية، وتمر اليوم بين مرحلتين انتقاليتين». كانت تلك نكتة، لكنها حتى اليوم «التفسير الوحيد المعقول لوضع روسيا غير المعقول». يؤكد ذلك عنوان مقال الأسبوع الماضي «التحالف الجاسوسي الأميركي الروسي». والأمل العملاق للعام تحدّث عنه مقال «صين القرن الـ51». فنحن الآن في القرن الـ51، حسب التقويم الصيني، و«إذا لم يبق في العالم سوى درهمين، اشْتر رغيف خبز بدرهم، وباقة ورد بالدرهم الآخر». تقول ذلك أقدم حكمة صينية. واليوم الصين كالمرأة التي تقول عنها الحكمة الصينية «الأنثى تتفوق دائماً على الرجل بسكونها، وفي سكونها هي تُثمر». وكقول الرسول عليه الصلاة والسلام «الأمل ضياء»، كذلك أملُ «جامعة الموصل» التي تواصل منذ احتلال «داعش» عام 2014 التعليم في مدن تبعد عن الموصل عشرات الكيلومترات، «دهوك» و«كركوك» و«زاخو». وتحقق الجامعة أمل أول مقال هنا عن العراق هذا العام، وعنوانه «بابل سينهضُ العراقيون». عَرَض المقالُ تقرير مجلة «العلوم» الأميركية عن تطوير الفلكيين البابليين تقنيات اقتفت كوكب المشتري، قبل 1500 عام من اكتشاف «جامعة أكسفورد» البريطانية. وفي «بابل» التي تُدعى «أم الدنيا» قامت إحدى عجائب العالم القديم السبع «الجنائن المعلقة»، ووُضعت أول القوانين «شريعة حمورابي»، وأول أنظمة الاقتصاد، والصيرفة، وطرائق الحكم، والعلاقات الدولية، وعلوم الرياضيات والفلك، والآداب، وحتى فنون الطبخ، والرقص، والحب. والأمل المستميت بالعراق أعظم من اليأس منه، وهي قصة لم يحكها مقال «وليمة العيد العراقية» الذي صادف نشره يوم جريمة تفجير الكرادة المروّع ببغداد، وكان عن باحثة أنثروبولوجيا الطعام «نوال نصر الله». كتابها «لذائذ جنان عدن» يعرض 800 وصفة لطبخ الأرز، والمرق، والبقول، واللحوم، والدجاج، والأسماك، والمحشيات، والمخللات، والفطائر، والحلوى، والمثلجات، والمربيات. وأهدَت المؤلفة الكتاب لذكرى ابنها «بلال» الذي توفي فجأة في عمر الصبا، وكانت الكتابة بالنسبة لها «كالقصص لشهرزاد»، ذودُ عراقية ثكلى عن أفراد أسرتها في البلد الغريب أميركا، حيث أصيبت بسرطان الثدي، وعملت نادلة، لانقطاع مرتب بعثة زوجها بسبب الحظر على العراق عام 1991. ولا حتى الأمل المستميت حطّمَ قلب العراقية التي برّحَ بها الحب للعراق أثناء محاضرة بالإنجليزية معروضة في «يوتيوب» فشتمت نفسها بصوت مسموع باللهجة العراقية: «أنعل أبوج يا بو العراق»، وضحكت مواصلة محاضرتها بالإنجليزية! و«أيُّ عالَمٍ جديدٍ جميلٍ وشجاع» عنوان مقال عن الأنفاق والمضائق، والممرات، والجسور، التي تربط بين جميع القارات. «نفق البوسفور» في مضيق اسطنبول مخصص لسكك حديد تربطُ آسيا وأوروبا، وينتقل عبره حالياً 3 ملايين راكب يومياً. وفي الطرف الآخر من العالم الإسلامي يُبنى أطول جسر في العالم، وهو «جسر مضيق مالاقه» الذي يبلغ طوله 71 كلم، وسيربط بين ماليزيا وإندونيسيا، أكبر دولة إسلامية بالسكان. وأيُّ عالم شجاع يتحدّى كوارث الهجرة عبر المتوسط بإنشاء «رابط إيطاليا تونس» الذي يقيم أربع جزر صناعية تربط البرّ الإيطالي والإفريقي، عبر صقلية. ومَن أجملُ أملاً من المعمرة العراقية التسعينية الحاجة «أم سعد» التي تبدأ يومها بصلاة الفجر، وبعدها الهرولة داخل حديقة المنزل. وعندما شكا لها الشاعر «مظفر النواب» في آخر مكالمة هاتفية عجزه عن كتابة الشعر، قرأت له أول قصائده: «مرّينا بيكم حَمَدْ، واحنه بقطار الليل، واسمعنه دّكْ اكهوه، وشَمّينه ريحة هيل. يا ريل صح بقهر، صيحة عشك يا ريل». و«الريل» هو القطار، و«دك اكهوه» طحن القهوة، و«العِشك» عِشِق.