أعتقدُ أن كثيرين ما زالوا لا يدركون صعوبة التنبؤ بأي شيء تقريباً حول إدارة دونالد ترامب المقبلة، بالنظر إلى أن «المغرِّد الأكبر» يتبنى مواقف متضاربة أحياناً، فربما يفكر ترامب ملياً بشأن بعض السياسات وربما لا، لكننا في كلتا الحالتين لا نعلم شيئاً عن تفضيلاته، فيما عدا تلك التي يبدو أنها مبنية على الفطرة (الاتفاقيات التجارية سيئة، وبوتين جيد). على أن هذه مجرد البداية. وعموماً، كان الرؤساء الأميركيون المعاصرون أشخاصاً يمكن التنبؤ بأفعالهم لأنهم كانوا ينتمون إلى أحد الحزبين، وكانت اختياراتهم تعكس آراء ومواقف ائتلاف الأغلبية داخل حزبهم. وكان موظفو البيت الأبيض الذين نعتبر أن لهم علاقات وثيقة بالرئيس، ذوي مسيرات مهنية كمحترفين داخل الحزب الديموقراطي أو الجمهوري قبل أن يشتهروا لاحقاً. ولهذا كان يُنظر إليهم كلاعبين حزبيين وليسوا أنصاراً للرئيس، وكانوا جزءاً من عملية كبح الرئيس. لكن البيت الأبيض في عهد ترامب سيكون مختلفاً، غير أنه يصعب تحديد كيفية ذلك الاختلاف، وانطلاقاً من المؤشرات الحالية، يمكننا القول إن البيت الأبيض لن يكون مثلما كان في الستينيات والسبعينيات، عندما كان بعض الأنصار الشخصيين للرؤساء الذين لديهم علاقات ضعيفة بالحزب (إنْ وجدت) يشغلون مناصب مهمة. وأبرز مثال كان في عهد ريتشارد نيكسون، الذي كان مساعداه الأرفع مستوى، بوب هالدمان وجون إيرليكمان، لا يدينان بالولاء لأحد غيره. وبالمقابل، يتشكل فريق ترامب حالياً، فالرئيس المنتخب ما زال منهمكاً في ملء المناصب الشاغرة في إدارته المقبلة، لكنه حتى الآن يقوم باختيارات عادية قياساً بالإدارات الأميركية الأخيرة. وعلى سبيل المثال، فإن ستيفان ميلر، الذي سيكون مستشاره السياسي، اشتغل لصالح الجمهوريين في الكونغرس، قبل أن ينضم لحملة ترامب في يناير 2016. وعليه، فالبيت الأبيض في عهد ترامب ربما يختلف عنه في عهد بوش الابن، من حيث نوع الجمهوريين الذين يجتذبهم، فما كان يمثل ذات يوم الهامش بات الآن أكثر مركزية داخل الحزب. أحد أسباب حالة عدم اليقين هذه يكمن في حقيقة أنه نظراً لأنه يقوم بالاختيار من ائتلاف مختلف داخل الحزب الجمهوري، فإن ترامب سينتهي به المطاف إلى العمل مع فريق ذي تجربة ضعيفة، وكانت تلك مشكلة كبيرة بالنسبة لجيمي كارتر وبيل كلينتون، اللذين أدارا أسوأ عمليتين انتقاليتين بين الرؤساء الأميركيين المعاصرين. السبب الآخر هو أن ما كان يميّز هامش الحزب الجمهوري في الماضي عن محافظي التيار الغالب فيه ليس كون بعض الأشخاص كانوا محافظين، وإنما كونهم كانوا يعتنقون نظرية حكم تركز على كسر القواعد والمعايير وتبني سياسة حافة الهاوية، والحال أنه إذا تم وضع ذلك موضع التنفيذ من المكتب البيضاوي، فسيصعِّب التنبؤ بما سيحدث. وبالنظر إلى الأسماء التي قيل إنها اختيرت لشغل مناصب في الإدارة الجديدة، فلا يبدو أن ثمة انسجاماً أو اعتبارات منطقية وراءها. فبعضها، مثل بيتسي ديفوس في وزارة التعليم، يشير إلى أن ترامب سيقاتل من أجل مواقف محافظة للغاية، بينما بعضها الآخر، مثل تعيين الحاكم السابق ريك بيري في وزارة الطاقة أو نيكي هالي سفيرة لدى الأمم المتحدة، يبدو أقرب إلى اختيارات جمهورية من التيار الغالب. جونثان بيرنشتاين محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»