يتنافس مساعدو دونالد ترامب، الذين يفهمون طبائع زعيمهم، على وصف فوزه بـ«التاريخي»، لكن هذا الادعاء يستوجب تدقيقاً وتمحيصاً. فلا شك أن صعود ترامب إلى البيت الأبيض كان حدثاً استثنائياً ومفاجئاً، لأنه أفرز انتخاب الرئيس الأقل تجربة سياسياً، وربما الأقل أهلية، في التاريخ الأميركي. ويعتقد المؤرخون السياسيون أن الولايات المتحدة شهدت ثلاثة انتخابات إعادة اصطفاف واضحة؛ الأولى كانت في 1828، عندما عبأ آندرو جاكسون المشاعر الشعبوية، ونقل مركز السلطة غرباً، ودشن عهداً من النزعة التوسعية. والثانية كانت في 1896، عندما قام ويليام ماكينلي بتحسين وتطوير ائتلاف التجارة والمزارعين الناجحين الذي أبقى على الجمهوريين في السلطة لـ28 سنة من السنوات الـ36 التالية. أما الثالثة، فكانت في 1932، عندما شكّلت سياسةُ «الصفقة الجديدة» التي سنّها فرانكلن رزفيلت ائتلافاً داخل الحزب الديمقراطي حكم أيضاً لـ28 سنة من السنوات الـ36 التالية. ولهذا، فعمليات إعادة الاصطفاف، وفق والتر دين برنهام، الذي يُعد مرجعاً في الانتخابات الأميركية، تحدث ضمن دورات تتكرر كل 36 عاماً. وهناك استحقاقان انتخابيان هزا أنماط التصويت الأميركية؛ أحدهما كان سباق 1980، عندما وحّد رونالد ريغان الإنجيليين الجنوبيين وديمقراطي الطبقة العاملة الشماليين وأدخلهم إلى حظيرة الجمهوريين. أما الثاني فكان في 2008 حينما دعم الناخبون الشباب وسكان الضواحي وأعضاء الأقليات باراك أوباما واختاروه ليكون أول رئيس أميركي من أصل أفريقي. ولكن هذه المكاسب لم تعمر طويلاً. والواقع أن الشيء نفسه يمكن توقعه من 2016 إذ يقول أستاذ الإدارة الحكومية بجامعة هارفرد ديفيد كاربنتر: «إن الأدلة الحالية لا تشير إلى أن هذه الانتخابات كانت انتخابات إعادة اصطفاف، حين يقرر ناخبون ديمقراطيون أن يصبحوا جمهوريين، أو جمهوريون أن يصبحوا ديمقراطيين». والحق أن الشهر الماضي لم يعرف انتقالات كبيرة للناخبين من حزب إلى آخر، حيث صوّت كل من الديمقراطيين والجمهوريين بأغلبية عشرة مقابل واحد لصالح مرشحيهم التقليديين. أما الفرق بين الـ2.1? من الأصوات الشعبية التي ذهبت إلى هيلاري كلينتون وهامش الـ3.9? الذي سجله أوباما قبل ذلك بأربع سنوات، فكان مشاركة أعلى قليلاً بين الجمهوريين وتراجعاً طفيفاً بين الديمقراطيين. وقد فاز ترامب في المجمع الانتخابي لأنه أبلى بلاءً أحسن في الولايات المتأرجحة ذات الأهمية الاستراتيجية. والفرق بين انتخابات إعادة الاصطفاف وغيرها من الانتخابات لافت ومذهل. فجاكسون وماكينلي وروزفيلت.. جميعهم فازوا في كل من التصويت الشعبي والمجمع الانتخابي وغيّروا ملامح السياسة الأميركية لجيل من الزمن. اليوم، لا نعرف كيف ستكون سياسات ترامب. فقد خاض حملته الانتخابية كشعبوي معادٍ لـ«وول ستريت» وخصّ «جولدمان ساكس» بالانتقاد، لكنه انكب على اختيار أعضاء مهمين في إدارته المقبلة من مديري «جولدمان» السابقين والحاليين. ثم إن أحد العناصر الأساسية في حملة ترامب الغاضبة كان وعداً بإصلاح واشنطن عبر «تجفيف مستنقع» المصالح الخاصة، لكن هاهو رئيس مجلس النواب السابق نيوت جينجريتش، الذي كان مستشاراً للرئيس المنتخب، يقول إن ذلك كان مجرد مناورة انتخابية. وفي الأثناء، شرع مدير حملة ترامب السابق كوري ليفاندوفسكي في تشكيل شركة استشارات لمساعدة الشركات على التعامل مع إدارة ترامب. إن ما نجح فيه ترامب هو المراهنة على مشاعر الاستياء لدى الناخبين حيال النخبتين الحضرية والأكاديمية اللتين تنظران إليهم باحتقار، كما يعتقدون. فالكثير منهم يرى أن هيلاري كانت تجسّد ذاك الموقف. ألبرت هانت محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»