عند النظر إلى خريطة الديمقراطيين التي تقلصت، لدى مغادرتهم البيت الأبيض وتراجع عدد الولايات التي يحكمونها إلى أقل من 20 ولاية، وبعد أن أصبحوا أقلية في الكونغرس وغالبية المجالس التشريعية للولايات.. من المغري إلقاء اللوم على الرئيس أوباما في ذلك. فبعد ثماني سنوات من سيطرة الديمقراطيين على البيت الأبيض، ومن عناد زعماء الكونغرس، لم يظهر جيل من المواهب الشابة. ويرجع سبب اصطفاف الحزب الديمقراطي خلف هيلاري كلينتون في جانب كبير منه إلى غياب بديل قادر على الصمود. لكن الجمهوريين أخطؤوا الفهم في إعلانهم أن ما فعله أوباما، مثل برنامج «أوباماكير»، وسياسته الخارجية، وعدم المسؤولية المالية.. كان وراء سقوط الديمقراطيين. قد يكون هذا صحيحاً، لكن حكام الولايات وأعضاء مجالسها التشريعية لم يخوضوا السباقات الانتخابية استناداً إلى برنامج «أوباماكير»، وهم لا يُحاسبون على تضخم الدين القومي. وقد أيد كثير من الجمهوريين نهج السياسة الخارجية لأوباما. لذلك فأوباما ليس سبب انهيار الديمقراطيين، ليس أوباما سببه، فهذا الأخير استطاع تعزيز قاعدته الشعبية، كونه أول رئيس أميركي من أصل أفريقي. وقدرته على تفادي الخصوم مع الاحتفاظ بتفوق أخلاقي من الحسنات التي أتت أكلها في دورتين انتخابيتين. وهذا متعلق به شخصياً وليس انعكاساً للحزب ككل، أي أنه يتعلق بأيديولوجية أوباما. وعلينا أيضاً أن نسترجع الظروف التي فاز فيها. ففي عام 2008، خاض أوباما السباق باعتباره شخصية تاريخية بينما كان الاقتصاد ينهار. ولو خسر تلك الانتخابات لكان أمراً استثنائياً. وفي 2012، خاض الانتخابات أمام مرشح راهن على الاستياء من الاقتصاد وأشار إلى أن 47? من جمهور الناخبين كانوا من الحمقى الذين يحصلون على الإعانات الاجتماعية. ولم يكن للديمقراطيين فضل في نجاح أوباما، بل كان كشخصية تاريخية ومحببة لدى الليبراليين، وهذا عنصر رئيس في فوزه، الفوز الذي غطى خواء رسالة الحزب الديمقراطي وقائمة أولوياته. والديمقراطيون ليسوا الوحيدين في بلوغ الإفلاس الأيديولوجي. فقد سمح مأزق قائمة أولويات الجمهوريين في الثمانينيات للشعبوية من الجناح اليميني بالظهور لتحل محل المبادئ المحافظة للحزب الجمهوري. وحتى لا يفرط الجمهوريون في الغرور، فقد كان فوزهم بالرئاسة صعباً للغاية لو أن نائب الرئيس جو بايدن مثلاً قد ترشح للرئاسة. وإشكالية الديمقراطيين ليست فريدة من نوعها وليست بلا حل. أولاً؛ يتعين تجديد السياسة المتعلقة بهوية شخص ما، ويتعين تغيير فكرة التوسع الاتحادي لدولة الرعاية الاجتماعية. ثانياً؛ على التقدميين في القرن الـ21 أن يكونوا حزباً لحاكم صالح ونظيف عازم على اقتلاع الفساد والتصدي للصفقات المشبوهة والمحسوبية. ثالثاً؛ لا يرى الناخبون في الحياة السياسية بالضرورة استعداداً لمنصب بالانتخاب. وفي سبيل التطلع إلى جيل جديد من أصحاب المواهب، على الحزب إنشاء شبكة كبيرة في مجال الاقتصاد والعمل الخيري، تضم شخصيات تقدمية ذات مبادئ حداثية. رابعاً؛ إذا مضى الجمهوريون في طريق تبنيهم الحس الوطني المحلي ومناهضة العولمة، فعلى الديمقراطيين أن يكونوا الحزب المستعد لتأييد الأميركيين الذين ينافسون في اقتصاد القرن الـ21. وأخيراً، ربما يتقاعد أوباما، لكن الناخبين يحتاجون إلى الإلهام والشعور بالانتماء والأمل والتغيير، وليس إلى وجود رئيس يحرك أسوأ الغرائز لدى الأميركيين ويعتبر الاقتصاد كعكة ثابتة، تاركاً مجالاً يستغله الحزب الديمقراطي الذي يؤمن بأن «الأكثر» أفضل؛ مثل المزيد من الابتكار ومن العمال المهرة ومن التجارة وفرص التعليم. ومع ترك أوباما للسلطة تسنح للديمقراطيين فرصة لطي صفحة الأفكار المتعفنة وبناء رسائل موحدة. فهل ينتهزون الفرصة؟ جنيفر روبن كاتبة أميركية من المحافظين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»