أثار الرئيس الأميركي باراك أوباما ضجة عندما سمح لسفيرته في الأمم المتحدة «سامنثا باور» بالامتناع عن التصويت على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الذي ندّد بالاستيطان الإسرائيلي ومُرِّر بالإجماع. القرار أدان بشكل صريح الإجراءات الإسرائيلية «التي تغيّر التركيبة الديمغرافية» للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967، بما في ذلك «بناء وتوسيع المستوطنات، ونقل المستوطنين الفلسطينيين، ومصادرة الأراضي، وهدم المنازل، والنقل القسري للمدنيين الفلسطينيين». وأشار إلى اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، التي صادقت عليها كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومنها إسرائيل، التي تدعم قانونياً هذه القيود على القوى المحتلة. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وصف القرار بأنه «مخزٍ ومعادٍ لإسرائيل» وأعلن أن إسرائيل «لن تمتثل لأحكامه». غير أنه كان يجدر به ألا يثير كل هذه الضجة، وذلك على اعتبار أن كل الإدارات الأميركية كانت تنتقد، على مر السنين، بناء وتوسيع إسرائيل للمستوطنات على الأراضي الفلسطينية العربية المحتلة. فقد كانت تلك سياسة أميركية واضحة وثابتة لكل الرؤساء الأميركيين منذ أن شرعت إسرائيل في بناء المستوطنات بعد 1967، عندما احتلت الضفة الغربية. وبالتالي، فإن سياسة أوباما ليست جديدة، شأنها في ذلك شأن قراره بالامتناع عن التصويت. فقد سبق للولايات المتحدة، في 47 مناسبة مختلفة، أن سمحت بمرور قرارات تنتقد إسرائيل في مجلس الأمن الدولي، حيث امتنعت عن استخدام حق النقض الذي تتمتع به بوصفها عضواً دائم العضوية بمجلس الأمن. غير أنه في السنوات الأخيرة، درجت واشنطن على نحو متزايد على حماية إسرائيل من الأصوات المعادية لها في الأمم المتحدة، حتى وإنْ كانت القرارات تعبّر بوضوح عن سياسة معلَنة تعرفها إسرائيل والجميع. هذه المقاربة الخاصة تجاه الأمم المتحدة تبدو مبنية على تناقض، ولكنها تقوم على فكرة أن النزاع العربي- الإسرائيلي ينبغي ألا يُبحث في الأمم المتحدة، وإنما مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وهكذا، استخدمت الولايات المتحدة «الفيتو» لمنع قرارات لمجلس الأمن الدولي من استباق العملية الدبلوماسية الثنائية. وقد التزم الرئيس أوباما على نحو صارم بفصل تصويت الولايات المتحدة ذاك عن عملية السلام حتى الأسبوع الماضي عندما سمح للسفيرة «سامنثا باور» بالامتناع عن التصويت. فما الذي تغيّر هذه المرة؟ الرئيس أوباما أكمل تقريبا سنواته الثماني في السلطة، ولن يبقى رئيساً للولايات المتحدة بعد العشرين من يناير. وبالتالي، فقد كانت هذه آخر فرصة له للبعث بإشارة إلى إسرائيل والعالم مفادها أنه وإدارته يندّدان باستمرار الاستيطان الإسرائيلي. وفي معرض شرحها لدوافع قرارها الامتناع عن التصويت، قالت السفيرة «باور» بشكل صريح إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقول، من جهة، إنه يؤيد حل الدولتين كسبيل لتسوية المشكلة العربية- الإسرائيلية، ولكنه يسمح في الوقت نفسه باستمرار بناء المستوطنات. والحال أن الأمرين لا ينسجمان، حيث شددت على أن عليه أن يختار أحدهما، مؤكدةً على أن السياسة الأميركية تنص على تأييد حل الدولتين من دون مستوطنات إسرائيلية. الرئيس أوباما أبدى صبرا قرابة ثماني سنوات في وجه التعنت الإسرائيلي. وقد تكلم بوضوح، على غرار الرؤساء السابقين، وطلب من إسرائيل التوقف عن بناء المستوطنات. ولكن إسرائيل تجاهلت دعواته المتكررة واستمرت في نشاطها الاستيطاني. فخرج، خلال الأيام الأخيرة من رئاسته، بتعبير عملي عن إحباطه الكبير إزاء حكومة نتنياهو وسمح بمرور قرار أممي منتقد لإسرائيل. صحيح أن القرار الأممي غير ملزِم، لأنه يقع ضمن الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، ما يعني أن أعضاء الأمم المتحدة غير ملزمين بفرض تطبيقه. غير أنه لما كان قد تم تبنيه بالإجماع، فإنه بعث برسالة واضحة إلى إسرائيل والعالم مؤداها أن معظم البلدان تدين سياسة الاستيطان الإسرائيلية. بيد أنه من غير المعروف كيف سيكون رد فعل إسرائيل على ذلك. فبعض المراقبين للشأن الإسرائيلي يقولون إن تصويت الأمم المتحدة يرغم إسرائيل على الاختيار بين المقاربتين غير المنسجمتين اللتين أشارت إليهما السفيرة باور. وكان نتنياهو قال في وقت سابق إن بناء المستوطنات وتوسيعها ليسا مهمين بالنسبة لبقية العالم، وإنه يستطيع الاستمرار في الترويج لها من دون خشية أي عواقب، إرضاءً لأنصاره المحافظين اليمينيين. ولكن الآن وقد تم التصويت، فإن محاولته التملص من أي عواقب بسبب مقاربته ستكون تحت المحك. كما أنه من غير المعروف في أي اتجاه سيسير. الشيء المجهول الآخر هو كيف ستكون سياسة الرئيس ترامب الذي انتقد امتناع الولايات المتحدة عن التصويت وقال في تغريدة على تويتر: «أما بالنسبة للأمم المتحدة، فإن الأشياء ستصبح مختلفة» بعد تنصيبه في العشرين من يناير المقبل. ولكنه لم يوضح كيف وإلى مدى ستكون مختلفة. والواقع أن نصف الجمهور الأميركي عموماً يعارض ترامب، غير أن هذا الأخير يعبّر عن دعم قوي لإسرائيل لأنه يدرك أنه موقف يحظى بشعبية واسعة. وقد فعل بعض مستشاريه الشيء نفسه. كما أن ديفيد فريدمان، الذي اختاره ترامب ليكون سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، يقول إنه ما كان ينبغي للولايات المتحدة «أبدا» أن تضغط على إسرائيل من أجل قبول حل «الدولتين». ويمكن التعويل على الكونجرس، بـ «ديمقراطييه» و«جمهورييه»، للاستمرار في دعم سياسة مؤيدة لإسرائيل. لا بل إن أعضاء قياديين في حزب ترامب، الحزب «الجمهوري»، الذي يسيطر على الأغلبية في مجلسي الكونجرس، انتقدوا منذ بعض الوقت القرار الأميركي بالامتناع عن التصويت في الأمم المتحدة. بيد أن بعض الأعضاء الآخرين في إدارة ترامب يبدو أن لديهم مواقف أكثر توازناً. فهذا مرشح ترامب لمنصب وزير الدفاع الجنرال «ماتيس» قال في 2013 إنه يبدو أن إسرائيل تتجه نحو نظام ميز عنصري، في انتقاد ضمني للمستوطنات. كما شرح «ماتيس» أنه عندما كان قائداً للقيادة المركزية «كان يدفع ثمناً كل يوم» لأنه «يُنظر إلى (الأميركيين) على أنهم منحازون لصالح إسرائيل». أما بالنسبة لمرشح ترامب لمنصب وزير الخارجية، فإننا لا نعرف رأيه حول المستوطنات الإسرائيلية لأنه لم يكشف بعد عن آرائه حول هذه المواضيع. ولا شك أن مستشاري ترامب سيؤثّرون على سياسته بخصوص إسرائيل، ولكنه هو من سيتخذ القرار الأخير. وقد سبق له أن أشار إلى أنه يرغب في أن يكون رئيساً للولايات المتحدة حتى يساعد على صنع اتفاق سلام عربي- إسرائيلي. ويتباهى الرئيس المنتخب بمهاراته في إجادة التفاوض وعقد الصفقات، ويقول إن هذا سيكون «الاتفاق الأهم». غير أنه من غير الواضح البتة أنه يفهم تعقيدات أو الفروق الطفيفة التي تنطوي عليها المشكلة، ولهذا، علينا أن ننتظر لنرى ما الذي سيفعله عندما يدخل البيت الأبيض. ويليام رو دبلوماسي أميركي سابق متخصص في شؤون الشرق الأوسط