يفهم المرءُ أن (عام الخير) الذي سيكون العام المقبل 2017، هو في تعريفه البسيط سيكون (عاماً لكل أنواع العطاء التطوعي الإنساني، في كل مجالات الحياة، ولكل الناس داخل الإمارات وخارجها، وفي كل الظروف والأحوال). بكلام آخر: إنه سيكون عاماً للعطاء المكثف والخير العميم، تطال نفحاته البشر جميعاً على اختلاف أجناسهم ومعتقداتهم وألسنتهم وألوانهم، في كامل الجغرافيا الإنسانية. هل يمكن أن ينطبق هذا التوصيف الإنساني على بلدٍ فتيٍّ في العالم غير الإمارات؟ ربما سيرتفع صوت ليقول: السويد بلد ينطبق عليه مثل هذا الوصف، وكذلك النرويج وهولندا. أقول: في كلٍ خير، لكن البلدان الثلاثة جاءت في المراتب التالية بعد الإمارات التي وصلت ذروة العمل الإنساني، ووصلت فيه إلى القمة. ورد ذلك في تقرير دولي عام 2013. والمرتبة الأولى استمرت إماراتية في الأعوام التي تلت، لم تتغيّر. ما قدمته الإمارات وتقدمه بلا منّة في المجال الإنساني، بلغت نسبته 1.07% من دخلها القومي. مبالغ المساعدات المالية المدفوعة، منذ تأسيس دولة الاتحاد عام 1971 حتى العام الحالي هي 173 مليار درهم. ومنذ تسعينيات القرن الماضي، وعلى مدى السنين الطويلة الماضية، لم يتوقف العمل التطوعي الجاد في مجال العطاء في الإمارات. استطاع رقم المتطوعين الشباب من الجنسين، القفز إلى مليون متطوّع وأزيد، جميعهم انخرطوا في العمل الخيري الإنساني، عملوا في مجال المساعدات الإنسانية داخلياً وخارجياً، عبر المؤسسات الحكومية والخاصة التي تجاوز عددها الثلاثين. البداية كانت (برنامج زايد للعطاء) والهلال الأحمر الإماراتية، لتتوالى بعد ذلك صناديق المساعدات والجمعيات الخيرية العامة والخاصة. لا غرابة أن أول جمعية إماراتية للخير كانت تأسست عام 1996 هي (جمعية متطوعي الإمارات)، لتكر السبحة بعدها في أشكال عدة من المنظومات الأهلية المدنية، تتسابق كلها في هذا المجال الإنساني الخيّر. كل تلك الجهود في تضافرها، نجحت بوضع الإمارات في (أول الصف) على بقية دول العالم المتقدمة. في الإمارات اليوم، هنالك كيانات خيريّة إنسانية جديدة في الطريق غير التي ذُكرت، يجري تشكيلها لتكون رافداً لهذه (الهبّة) الإنسانية الإماراتية المتميزة، تغني مسيرتها وتطوّرها نحو الأفضل. من أهم تلك الكيانات الجديدة (أكاديمية للتدريب على العمل التطوعي) التي كانت انبثقت فكرتها من (مؤتمر الإمارات الأول للتطوع المجتمعي والمؤسسي)، الذي عُقد في مدينة أبوظبي في الرابع والعشرين من الشهر الحالي. هذه الأكاديمية متى اكتملت سينطلق عملها من أبوظبي، لتحقيق هدف حيوي هو تدريب المتطوعين على العمل في المجال الخيري الإنساني، وتأهيلهم لهذه المهمة السامية، عبر تزويدهم بالمهارات والمعارف اللازمة لتجويد الأداء والفاعلية في مختلف الظروف والأماكن؛ فإذا كانت الإمارات متميزة عالمياً في عطائها الإنساني، فلِمَ لا يكون كادر العاملين في المجال متميزاً هو الآخر؟ في الإمارات، العديد من المؤسسات والأفراد، من البنوك والشركات، تخصص جزءاً من أرباحها للعمل الإنساني الخيري. إنها تشعر وهي تؤدي مثل هذا العمل العظيم، أنها تقوم بمسؤوليتها المجتمعية. وهؤلاء مبعث فخر واعتزاز شعبي كبير. المرءُ لو دقق جيداً وأعملَ عقله، آخذاً بعين الاعتبار أرقام المتطوعين والإيقاع العام للكيفية التي يتم بها البذل والعطاء الخيري، بجانب سلوك العمل التطوّعي وفعله في الإمارات، لأوشك بلورة أن (الناس هنا كلهم مُحبون للخير، ويتمتعون بمستوى عالٍ من ثقافة البذل والعطاء). إن قيماً كهذه هي الحضارة الخالدة عبر الزمن. إنها الحقيقة. لنتحرّى الأرشيفات ونتسقّط الأخبار.. لنسأل التاريخ عن إمارات المستقبل.