تلك الرصاصات التي اغتالت السفير الروسي في أنقرة «أندريه كارلوف» عقب انتصار إيران بفلكها الشيعي من «حزب الله والميليشيات الشيعية المتعددة ونظام بشار»، قد انطوت على تأكيد مؤشرات وأبعاد على المستوى السوري الداخلي والإقليمي والدولي. فأبعاد تلك الرصاصات على مستوى سوريا بين أطراف الثورة من المعارضة السياسية والمسلحة مقابل نظام بشار، ربما تشير إلى إن الثورة مستمرة نحو إسقاط نظام بشار بصور منها سياسية تفاوضية برعاية موسكو أو المعارضة إلى جانب الدمج بينهما، فحتى لو استمر نظام بشار لفترة ما فإنه يعيش رعباً كبيراً بسبب حجم الدمار والخراب والقتل والتشريد الذي حل بسوريا وأوصلها إلى دولة فاشلة، والذي يجعله المسؤول الأول عما حل بالبلاد، وذلك الرعب مصحوباً بصوت تلك الرصاصات ربما يكون عاملاً مهماً نحو توحيد المعارضة المسلحة والسياسية، علاوة على ذلك، هناك دور الأكراد في شمال سوريا وخطر حضور «داعش» في تدمر. قطعاً إنه نظام فاشل لأنه سيبقى في حاجة إلى الوجود الروسي والإيراني والميليشيات الشيعية، وتطمح إيران إلى ذلك الوجود. وعلى المستوى الإقليمي تلك الرصاصات تشكل تزايد شرارات حلقات الصراع بين بعض الدول الخليجية العربية الفاعلة وإيران وتركيا وحكومة أربيل بشكل رئيسي، فإيران (بنظامها السياسي والحرس الثوري ومرشدها وصوتها الديني الشيعي من قم والنجف وكربلاء وجبل عامل مع تحكمها بفلك شيعي من حكومة بغداد و«حزب الله» ونظام بشار ودعم «الحوثيين» وجر الميليشيات الشيعية المتعددة نحو تمزيق والتحكم في بعض الأقطار العربية) أصبحت تواجه معارضة أكثر قوة في الداخل بسبب سياساتها الخارجية ومنها تدمير سوريا بشراً وبنيةً تحتيةً، وهو الأمر الذي قد يحرك شريحة كبيرة من المجتمع الإيراني التي ترفض أصلاً استمرار النظام الثيوقراطي الديني في إيران، خصوصاً أن هناك مؤشرات قادمة من واشنطن عبر الرئيس المقبل ترامب في مسألة الملف النووي والعقوبات على إيران. يضاف إلى ذلك، أن الشارع العربي أصبح يكنّ الكراهية ويدرك خطر وتهديد السياسات الإيرانية الغادرة من توسع واستغلال الدين والصراع المذهبي، فإيران ترى في استمرار نظام بشار انتصاراً كبيراً لها على الدول العربية والإقليمية السنية وإكمالاً لمشروعها التوسعي الجيوسياسي والمذهبي في المنطقة العربية، لا شك أن تلك الرصاصات قد تحدث في العراق ضد أتباع إيران. وتتصور طهران وقُمّ أنهما تستطيعان تفكيك أي تحالف عربي ضدهما بجذب دول عربية إليهما بسبب محاربة «داعش» في الموصل والخلاف حول استمرار نظام بشار مع قوة إغرائها الاقتصادي بالنفط والغاز الإيراني والنفط التابع لحكومة بغداد أيضاً، ولكن بعض الدول الخليجية العربية وبالتحديد السعودية والإمارات سوف تَحُول دون تحقيق هذه الاستراتيجية الإيرانية. وهذا جنباً إلى جنب الصراع والتنافس الإيراني التركي في الدور الأهم والأقوى بين دول الشرق الأوسط، وهذا التنافس كان أحد أسباب التقارب التركي الروسي بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية سوخوي، فالتقارب يمثل حاجة من البراجماتية في المصالح الاقتصادية والأمنية، حيث تكمن حاجة تركيا إلى مورد الغاز الروسي والدور في تصديرهِ من أراضيها، ومن الأسباب الرئيسية أيضاً، الوضع الأمني التركي من الثورة السورية والسيطرة الإيرانية على العراق إضافة إلى قوة حزب «العمال الكردستاني»، ناهيك بالخلاف بين أنقرة وواشنطن في ملفات عدة منها محاولة الانقلاب العسكرية على حكومة «حزب العدالة والتنمية» ومطالبة واشنطن بتسليم «فتح الله جولن» وعدم تفعيل دور تركيا في حرب الموصل ودعم واشنطن للأكراد في شمال سوريا، فتركيا تسعى لتحقيق مصالحها وأمنها وأن تكون الدولة الأقوى والأكثر أهمية في الشرق الأوسط، وهذا الأمر يجعل من العلاقات التركية الإيرانية الاقتصادية والأمنية التي يفرضها الجوار الجغرافي ذات تنافس وحذر كبيرين، فأنقرة مع نهجها البراجماتي ستُحيّد طموح إيران في المنطقة خاصة مع تحالفها مع حكومة أربيل ودول عربية إقليمية مهمة وقوية. المشهد السوري وحادثة اغتيال السفير الروسي في أنقرة، لم يمنعا من حقيقة كون روسيا بقوتها العسكرية والسياسية ونمو الصين اقتصادياً.. أمور تعلن للعالم أن نظام أحادية القطبية ليس واقعاً، وذلك على حقيقة أن الحروب تعيد تشكيل النظام الدولي العالمي مثل حرب تحرير الكويت من نظام «البعث» العراقي، وهو كان بمثابة إعلان عن أحادية القطبية مع تفكك الاتحاد السوفييتي. وربما تشير أصوات الطلقات التي أراقت دماء السفير الروسي، إلى مدى غضب الولايات المتحدة والقوى الأوروبية من العلاقة القوية بين تركيا وموسكو. وعلى سبيل المثال في الحرب على حلب لم تكن الولايات المتحدة الأميركية والقوى الأوروبية على علم بالمفاوضات التي جرت بين موسكو وأنقرة بشأن الاتفاق على وقف إطلاق النار وإخلاء هذه المدينة السورية المكلومة، حيث قال وزير الخارجية الروسي إن المفاوضات مع تركيا أهم من المفاوضات مع واشنطن. فالغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً تعض إبهام يد السياسة الخارجية في ضعف علاقاتها مع حليفها التقليدي تركيا «لأسباب تم ذكرها في المستوى الإقليمي». ويبدو أن الرئيس الروسي أصبح قريباً من تحقيق أهدافهِ المتمثلة في الجمع بين المعارضة التي يريدها مع نظام بشار لخلق نظام سياسي سوري بأيدٍ روسية، وتلك الأهداف تتوقف على الوضع الداخلي السوري وبعض الدول الإقليمية الفاعلة، وبذلك سيكون على قاعدة قوية في سوريا عندما يدخل ترامب البيت الأبيض، وسيحافظ «بوتين» بشتى الطرق على نجاحهِ في سوريا لكي يبقى قوياً أمام الولايات المتحدة والقوى الغربية حول مسائل أمنية في أوروبا الشرقية وقضية القرم وكسر العقوبات الاقتصادية وتنامي وقبول مكانة روسيا دولياً وعالمياً.