الدعوة إلى تقسيم دولة عريقة وعظيمة مثل العراق قد تبدو أمراً جنونياً، وتسعى لتفريق أبناء الشعب الواحد، وهو شعب تعايش لا يفرق بين سُنة وشيعة وعرب وأكراد وغيرهم من الأقليات لفترة طويلة، وكان شبه إجماع على وحدة الأمة العراقية وهو الخيار الأفضل والطبيعي في الظروف المثالية، وبالرغم من أن تقسيم العراق هو إضعاف للعراق والأمة العربية والإسلامية، وضمن خطوات الهيمنة ومشروع تقسيم الشرق الأوسط لدويلات ضعيفة متناحرة لها سيد يحكمها من القرب و«سيد للسيد» يحكمه من البعد. وفي ظل هذه التحديات يبرز الواقع العراقي اليوم يتحدث عن نفسه، بعد أن وقعت العراق فريسة سهلة ولقمة سائغة بين فكي «المارد الفارسي» ومن يقف خلفه من أمم تتداعى على العالم الإسلامي، ولا رجعة في ذلك الأمر إلى من يعقل البعد السياسي والعسكري والاقتصادي الذي يسير عليه العالم.. وكمسلمين هناك بعد روحي ونبوءة أرى أنها تتحقق أو يمهد لها الطريق يوماً بعد يوم وخاصة في ضوء الفهم المغالط لمعظم القيادات العربية لسؤال ماذا يريد منا الغرب؟ فكل العالم يعرف جواب هذا السؤال وتبعاته، إلا العرب الذين يحاولون تأخير المحتوم في محاولات بائسة في وجه قوى عظمى تعرف ماذا تريد ومتى وكيف ستأخذه! وشخصياً لا أعتقد أن هناك خياراً ثالثاً لسُنة العراق بين سندان الحكم الذاتي ومطرقة الذوبان في الثقافة الفارسية والتبعية المطلقة لإيران وخاصة أن القرار السياسي العراقي يخضع تماماً لأجندة خارجية باعت الوحدة العراقية بثمن بخس، ولا يبدو لي أن هناك بوادر أمل حقيقي في أي تسوية ذات مضمون مقبول وتوافقي ضمن منظومة الجماعات التي تقف وراءها دول بنظامها الأساسي وتهدد بل ترفض وحدة التراب العراقي بعيداً عن التسييس الطائفي. ولذلك لا جدوى من ترقيع الوضع وما يفعله «الحشد الشعبي»، أكبر دليل علي غياب أسس وركائز الدولة المدنية والمواطنة بعد أن ضربت ميليشيات «الحشد» بالقرارات الوطنية والدولية عرض الحائط دون ردة فعل من الحكومة الموالية لمنهجية وتصرف الحشد، وكأنها الداعم الرئيس لما يفعله وفق مخطط إخلاء العراق من السُنة وتهجيرهم وتشريدهم من أماكن وجودهم وترى الفاعلين الشيعة في الحكومة العراقية، يعتقدون أن الوجود التركي في الموصل سيعرقل سياسة فرض الأمر الواقع التي يتبعونها، وبعد كل ذلك ماذا ينتظر السُنة للتحرك نحو تسوية جغرافية قبل فوات الأوان، وأمامهم الحال الفلسطيني كشاهد عيان على ما هو قادم لسُنة العراق. فـ«داعش» المستعد لأن ينسحب من المشهد ويترك الجمل بما حمل بأمر إيران وأمر من أوجده وغيره من التنظيمات، والذي يمثل جزءاً من منظومة تقسيم العراق وسوريا بالوكالة ليس الخطر الحقيقي على العراق بقدر ما هو مخطط تفتيت خريطة العراق ككيان موحد وأطماع دول الجوار فيها، والدول الكبرى والشعب العراقي من الشمال إلى الجنوب مروراً بالغرب والشرق يرفض الديكتاتورية المغلفة بالصبغة الديمقراطية والتفرد بمؤسسات الدولة وثرواتها على أساس طائفي بغيض، ولكننا نعلم بأن الشعب المغلوب على أمره لا يملك القرار بيده. العراق بحاجة ماسة إلى وثيقة شراكة حقيقية، وليس إلى قانون «الحشد» الذي صدق عليه البرلمان العراقي كإعلان رسمي لنهاية الدولة المدنية وحماية رسمية لمنتهكي حقوق الإنسان والتشجيع على استمرار الجرائم الطائفية والمتاجرة بحقوق الضحايا ولا غرابة أن تتدخل تركيا علناً في عمليات تحرير الموصل والحشد يهددها يومياً والدول العربية منقسمة على بعضها ومن يتأمل خيراً في العراق عليه أن يقرأ وسط السطور ما يحدث من إيران في كل مكان في الشرق الأوسط وتطويقها للعالم السُني من الداخل، وتفكيك الصفوف المفككة في الأصل، حتى أصبحت دولة عربية حليفة رئيسة لها ولا تخجل بالمجاهرة بذلك ما دام يخدم مصالحها وحدها أولاً وأخيراً. ووغيرها من الأمثلة العديدة والمتنوعة التي تشير إلى مصير السُنة في العراق وضرورة التحرك السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وتجميع الأوراق المبعثرة لعلها تحد من طول النزهة الإيرانية في العالم العربي وإنقاذ العراق سُنة وشيعة وغيرهما من التوسع الإيراني.