منح البرلمان الأوروبي مؤخراً جائزة ساخاروف لحرية الفكر، لعام 2016، للأيزيديتين العراقيتين ناديا مراد ولمياء عجي بشار اللتين تمكنتا من الفرار من جحيم «داعش». ?وأضحت ?الفتاتان ?من ?أبرز ?الوجوه ?المدافعة ?عن ?الأيزيديين ?بعد ?أن ?خطفهما ?مسلحو ?«داعش» ?وحولوهما ?إلى ?سبايا ?على ?غرار ?آلاف ?النساء ?ضحايا ?الاستعباد ?الجنسي. ?من ?جهتها، ?علقت ?لمياء ?عجي ?بشار ?بالقول: «?أنا ?سعيدة ?جداً ?بالجائزة ?لأنني ?نلتها ?باسم ?الضحايا ?الأيزيديات»?، ?وذلك ?في ?رسالة ?باللغة ?الكردية ?موجهة ?إلى ?منظمة «?اير ?بريدج ?إيراك»?، ?التي ?تهتم ?بها ?منذ ?وصولها ?هذا ?العام ?إلى ?أوروبا، ?وقامت ?بترجمة ?رسالتها. ?وعينت ?نادية ?مراد ?منتصف ?سبتمبر ?الماضي ?سفيرة ?للأمم ?المتحدة ?من ?أجل ?الدفاع ?عن ?كرامة ?ضحايا ?الاتجار ?بالبشر، ?وهي ?تنشط ?من ?أجل ?تصنيف ?عمليات ?الاضطهاد ?التي ?تعرض ?لها ?الأيزيديون ?كإبادة ?جماعية. العديد من المقالات في أوروبا التي تتناول بالتحليل وضع الأقليات في الوطن العربي انطلاقاً من قضية الأيزيديتين، أو علاقة الإسلام بالآخر، تصفنا نحن المسلمين كبشر خارج التاريخ، وديننا الوسطي المعتدل بدين يسمح بمثل هاته التجاوزات، بل الأدهى من ذلك أنهم يقولون إنه لو سلموا بالعكس، ما وجدوا في تاريخ الأوطان العربية ما يمثل روح السماحة في علاقة المسلم بالآخر.. وهنا الكارثة والداهية العظمى، حيث الصور النمطية والخزعبلات التي تعج بها وسائل الإعلام الغربية عن الإسلام والمسلمين، خاصة في هاته الفترة الحرجة من تاريخ العالم مع الإرهاب وبدء وصول التيارات اليمينية المتشددة أو المحافظة إلى كراسي الحكم في الدول الغربية. وأنا أتابع بأسف هذا الكلام، أستحضر سابقة وقعت في تاريخ المغرب، أشهراً قبل استقلاله، إذ في فاتح ديسمبر 1955، بعد أسبوعين من عودة محمد الخامس من المنفى وبضعة أشهر قبل استقلال المغرب، شهد القصر الملكي احتفالاً فريداً من نوعه، إذ إن العاهل العائد لتوه من المنفى، ترأس يومذاك مراسيم توشيح المونسينيور أميدي لوفيفر، القاصد الرسولي بالرباط بالوسام العلوي بدرجة ضابط كبير، عرفاناً بجهده في إقرار التفاهم بين المغاربة والفرنسيين أثناء الأزمة الحادة التي تميزت بها الفترة الأخيرة من العهد الاستعماري. وقد حرص محمد الخامس على أن يولي الأسبقية لتلك البادرة في جدوله الزمني، وهو منهمك في تشكيل الحكومة التي كانت ستنهض بالتفاوض على الاستقلال. وكان ذلك العمل الرمزي ذا أهمية في انشغالات المغاربة، غير أنه كان بحد ذاته تكريساً لسلوك استقر في عمل الحركة الوطنية المغربية منذ ثلاثينيات القرن الماضي. ولم يكف الوطنيون قط عن إقامة حوار متدفق مع النخبة في كل من فرنسا وإسبانيا، قصد إقامة جسور للتفاهم والتعاون. وفي هذا الباب، كتب مانويل كروز الذي كان مديراً لجريدة «إسبانا»، التي كانت تصدر في طنجة، ممجداً محمد الخامس قائلاً: إن ذلك العاهل كان قائداً خارج المألوف. وكان طبعه السمح قد جعلنا كلنا متسامحين. وكانت قدرته على التفاهم قد حولتنا كلنا إلى متفاهمين. وكان إيمانه الديني قد جعلنا كلنا نتطلع إلى الله. وأضاف مانويل كروث: إن محمداً الخامس لم يكن فقط سباقاً إلى تحرير شعبه وشعوب العالم الثالث، بل سباقاً إلى التبشير بالتعايش، والحوار، والتفاهم بين الشعوب. وينقل عن خلف بن المثنى وصفه للحلقات العلمية الشعبية التي كانت تنعقد في العهد العباسي الذي قال فيه: لقد شهدنا عشرة في البصرة يجتمعون في مجلس لا يعرف مثلهم في الدنيا علماً ونباهة، وهم الخليل بن أحمد صاحب النحو (وهو سني)، والحميري الشاعر (وهو شيعي)، وصالح بن عبد القدوس (وهو زنديق ثنوي). وسفيان بن مجاشع (وهو خارجي صفري)، وبشار بن برد (وهو شعوبي خليع ماجن)، وحماد عجرد (وهو زنديق شعوبي)، وابن رأس الجالوت الشاعر (وهو يهودي) وابن نظير المتكلم (وهو نصراني) وعمر بن المؤيد (وهو مجوسي) وابن سنان الحراني الشاعر (وهو صابئي).. كانوا يجتمعون فيتناشدون الأشعار ويتناقلون الأخبار، ويتحدثون في جو من الود لا تكاد تعرف منهم أن بينهم هذا الاختلاف الشديد في دياناتهم ومذاهبهم ! ما يقوم به «داعش» من أعمال إجرامية وإرهابية ليس من الإسلام في شيء، وإنما خروج عن الدين والعقل، وتواجد جاهلي يتشح بالدين ويتسربل بالشريعة، والإسلام بريء منهم براءة الذئب من دم يوسف، وكل عام وأنتم بألف خير.‏?