ما إن صدر القرار رقم 2334 عن مجلس الأمن الذي أدان الاستيطان حتى أمطر المسؤولون الإسرائيليون جميع من كان لهم دور فيه بوابل من الانتقادات والاتهامات والسباب واتخذوا عدداً من الإجراءات وكأنهم دولة عظمى. ويبدو أن الصدمة كانت هائلة بعد أن تصوروا أن سحب مصر لمشروع القرار سيعني قضاءً مبرماً عليه فإذا بالصورة تنقلب بالكامل وتتبنى أربع دول هي نيوزيلندا وفنزويلا وماليزيا والسنغال مشروع القرار، وتتم الموافقة عليه بأغلبية أربعة عشر صوتاً وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، وهو امتناع بطعم الموافقة بطبيعة الحال، وكانت هذه الضربة لإسرائيل هي ثاني ضربة قاسية من المنظومة الدولية في خلال شهرين بعد أن أصدرت اليونسكو في أكتوبر الماضي قراراً ينفي صلة اليهود بالحرم القدسي الشريف الأمر الذي يُجَرم الانتهاكات الإسرائيلية لهذا الحرم بدعاوى زائفة. ووصف المسؤولون الإسرائيليون وعلى رأسهم نتنياهو قرار مجلس الأمن بأسوأ الأوصاف، فهو قرار مشين وحقير ومخز وسخيف، ووصف من شاركوا فيه بأنهم عصابة! ولنتصور أن قمة المنظومة الدولية المتمثلة في مجلس الأمن الذي يضم الدول الخمس دائمة العضوية بالإضافة إلى عشر دول منتخبة من الجمعية العامة توصف بهذا الوصف، وسارع رئيس الوزراء إلى القول بأن إسرائيل لن تخضع للقرار وهو ما نعلمه جيداً من خبرة السلوك الإسرائيلي بامتداد الصراع كله وبأن القرار غير ملزم لها وهو اجتراء على مجلس الأمن وسلطاته لولا أن الطبيعة غير المنضبطة للعلاقات الدولية تمكن عصاة القانون الدولي والشرعية الدولية من الإفلات من العقاب، ولم يكتف نتنياهو بهذا وإنما تقمص شخصية سيد العالم فبدأ يوقع العقوبات على الجميع، فاستدعى سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن التي لها تمثيل دبلوماسي في إسرائيل لتوبيخهم وتعنيفهم وخص السنغال بقطع المساعدات الزراعية عنها، وأوكرانيا بإلغاء زيارة رئيس وزرائها التي كان مقرراً أن تتم غداً، واتهم أوباما بأنه لم يفشل فحسب في حماية إسرائيل من هذه «العصابة» وإنما تواطأ معها وراء الكواليس، ووصل به الأمر إلى تهديد الأمم المتحدة بأنه سيعيد النظر في علاقة إسرائيل بها سواء من منظور التمويل إذ أصدر توجيهاته بوقف تمويل إسرائيل لخمس مؤسسات تابعة للمنظومة الدولية وصفها بأنها تحمل عداءً خاصاً لإسرائيل أو من منظور وجود موظفين تابعين للأمم المتحدة في إسرائيل أو على الأراضي الفلسطينية التي تسيطر عليها. تريد إسرائيل أن تستولي على الأرض بغير حق أو سند من القانون الدولي وتقيم عليها مستوطنات غير شرعية وتقتل من يعترض على سلوكها هذا من الفلسطينيين أو تأسره وتهدم بيوتهم إما بذريعة أنها مقامة من دون تراخيص أو أنها بيوت تخص أسر المتهمين بالقيام بأعمال «إرهابية»، أي أعمال مقاومة وتحيل الحياة اليومية للفلسطينيين إلى جحيم، وهي لا تنتبه إلى أن نقد سلوكها هذا واستهجانه لم يعد قاصراً على الفلسطينيين كما رأينا من التصويت الإجماعي عملاً على القرار، ويتعامى نتنياهو عن أن بعضاً من منتقديه الأشداء موجود داخل إسرائيل نفسها. وقد قالت صحيفة «هآرتس» معلقة على القرار «بأنه الاستيطان ياغبي»، كما حمله رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك المسؤولية، ويبشرنا نتنياهو بأن الأمم المتحدة بعد تولي ترامب السلطة، لن تبقى على ما هي عليه، أي أنه يخيفنا بالرئيس القادم كالطالب سيئ السلوك الذي يهدد أقرانه بإحضار أبيه. لن تنفذ إسرائيل القرار بطبيعة الحال، لكن هذا لا يعني أنه بلا قيمة، ولو كان كذلك لما اتسم رد الفعل الإسرائيلي بهذه العصبية لأن القرارات من هذا النوع تقوض من شرعية الدولة الإسرائيلية بين مواطنيها العقلاء، وعلينا أن نبحث في كيفية توجيه المزيد من الضربات الموجعة من هذا النوع، غير أن أمر القضية الفلسطينية لن يستقيم بالقرارات الأممية وحدها، وإنما لابد من حدوث نقلة نوعية في المواجهة مع إسرائيل بالوسائل المتاحة وعلى رأسها النضال المدني داخل الأراضي الفلسطينية، ولن يكون هذا ممكناً دون استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وظهيرها العربي.