يثور جدل مستحق هذه الأيام في تونس بعد عودة ما يقارب الألف إرهابي كانوا يقاتلون في صفوف تنظيم «داعش» الإرهابي، وتختلف الدول في التعامل مع مثل هذه الحالات، فبعض الدول تحرص على استعادة مواطنيها لغرض الاحتواء وإعادة التأهيل بينما ترفض دول أخرى أي تعامل مع هؤلاء العائدين إلا بأحكام القضاء والعدل. والذي ينبغي التذكير به هو أن هذه ليست أول موجةٍ من الإرهابيين العائدين، فقد سبق لمصر أن استقبلت العائدين من جماعة «الإخوان المسلمين» من فلسطين تحت ذريعة الجهاد هناك وبشهادة أهل الشأن الفلسطيني حينذاك فإن فلسطين لم تكن تحتاج إلى رجالٍ آنذاك ولا إلى أموالٍ ولكن لا جماعة استخدمت ذلك ذريعةً لتجييش الناس وتحشيدهم وكذلك لتدريب عناصرها على الإرهاب والقتال، وقد كانت عودتهم وبالاً على مصر. وفي نهاية الثمانينيات الميلادية استقبل العديد من الدول العربية العائدين من أفغانستان، وهم كانوا قد تم إعداد الكثير منهم للعودة لنشر الإرهاب في بلدانهم كما صرح بذلك «الإخواني» عبد الله عزّام، فقد نَقل عنه أحد أشهر منظِّري تنظيم «القاعدة»، وهو أبو مصعب السوري أنه كان يقول: «أريد أن يأتي من كل بلد عربي ولو أربعون مجاهداً فيستشهد نصفهم ويعود نصفهم إلى بلاده ليحمل دعوة الجهاد». والكثير من العائدين من أفغانستان آنذاك كانوا قد تم تجنيدهم بالفعل إما في تنظيم «القاعدة»، وإما في غيره من التنظيمات الإرهابية بأسمائها المختلفة حينها كجماعة «الجهاد» و«الجماعة الإسلامية» المصريتين، وقد عاد هؤلاء، ولم يجدوا لهم أي دورٍ في بلدانهم المسالمة، فبدؤوا بالترحال إلى الدول التي يزعمون أن فيها جهاداً، وبقي بعضهم خاملاً يحلم بخلق جماعاتٍ إرهابية في وطنه، كما حدث لاحقاً في مصر والجزائر والسعودية وغيرها. وفي نهاية التسعينيات جاء دور العائدين من البوسنة والهرسك وكذلك العائدين من الشيشان والصومال والجزائر، وهؤلاء عاد أكثرهم مُصراً على بناء الخلايا النائمة والتنظيمات الإرهابية في بلدانهم، وهم مدربون تدريباً إرهابياً متكاملاً، ومنخرطون في جماعات مختلفة، ولم تكد تدخل الألفية الجديدة إلا وحالة عامة من جمع التنظيمات الإرهابية تحت جماعة واحدة قد بدأ وعلى رأسها «القاعدة»، الذي جمع عناصر التنظيم وقياداته بقيادات جماعة «الجهاد» المصرية ومن التحق بهما من الإرهابيين الآخرين. كانت النتيجة الأولى لذلك الجمع هو أحداث الحادي عشر من سبتمبر المشؤومة في الولايات المتحدة الأميركية، وبعد ضرب أفغانستان وإسقاط حكم «طالبان» عادت عناصر كثيرةٍ من تنظيم «القاعدة» لبلدانها، ولكنها كانت عودة للاستراحة والانتظار، وما لبث هؤلاء الإرهابيون العائدون أن اتجهوا للعراق بعد 2003 وقاتلوا في صفوف الجماعات الإرهابية في العراق وعلى رأسها تنظيم «القاعدة» في العراق تحت إمرة الهالك أبي مصعب الزرقاوي، ولكن هذه المرة بنكهة مختلفة هي نكهة التعاون مع نظام الثورة الإسلامية في إيران. ومن لم يذهب إلى العراق آنذاك من الإرهابيين العائدين، اشتغل على تكوين تنظيمات إرهابية في بلده، وخرجت من تنظيم «القاعدة» تنظيماتٌ محليةٌ، كتنظيم «القاعدة» في السعودية وتنظيم «القاعدة» في العراق وتنظيم «القاعدة» في اليمن وغيرها. لقد كان هؤلاء الإرهابيون العائدون وبالاً على بلدانهم ينشرون الإرهاب كيفما أملت عليهم أفكارهم الشريرة، فانتشرت التفجيرات والقتل في الشوارع وقتل الآمنين، ولقد كفروا بكل البرامج التي سعت لإعادة خلقهم وتأهيلهم. هذا قبل ظهور تنظيم «داعش»، أما عناصره المتوحشون فهم أشد خطراً حال عودتهم وأقل مصداقية في توبتهم أو تراجعهم. أخيراً، لا ينفي هذا السياق أن قلةً منهم قد عادوا عن أفكارهم وساهموا بشكل فاعلٍ في التحذير من الإرهاب وتنظيماته، ولكن أي تعاملٍ معهم يجب أن يكون بشروط صارمة.