كل هذا الجمال الذي تتمتع به اللغة العربية يستحق أن يحتفى به، وأن يكون لها ما هو أكثر من يوم عالمي واحد. هي جديرة بحب وشغف واحتفالات تتجلى في التغني بها. فاللغة العربية التي تكاد تكون الأغنى في كل لغات العالم تحتاج إلى أن نصدق بها ونستدعيها لصغارنا، الذين صاروا لا يفقهون فيها إلا لغة الحديث اليومي البعيد عن العربية الحقيقية الجميلة. فالمسابقة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، كانت خطوة سباقة ومهمة كونها تساهم في حفظ اللغة وتمكين الأبناء من إتقانها وإجادتها، ولكن هناك جهودا مرجوه أيضاً من وزارة التربية والتعليم لتحفيز الطلاب على التعامل بها والكتابة خاصة في التعليم الخاص، الذي يبدو أن دروس اللغة العربية تحولت فيه إلى درس صعب، وربما غير مرغوب فيه. فمثلما حرصنا على أن يتعلم الأبناء اللغة الإنجليزية كونها لغة العلوم، كان لابد من وجود حرص مواز على اللغة العربية، فالعربية هوية أساسية تتشكل من خلالها نجاحات المجتمع، وربما كانت الصين أهم مثال فقد تحولت اليوم إلى دولة عظمى، وهي تتعلم وتعلم شعبها الحضارة باللغة الصينية. وعلى الرغم من القفزة الهائلة التي قام بها هذا الشعب، إلا أنه يحتفظ بلغته وثقافته وهويته، ولا تتملكهم أدنى رغبة في تعلم لغة أخرى مهما كانت أهميتها وضرورتها للتعامل مع الثقافات الأخرى. وهنا تأتي أهمية ارتباط اللغة الأم بهوية المكان وهوية المتحدثين بها، فاللغة الأخرى لا تعني أبداً الانسياق خلف ثقافة أخرى أو انسلاخ تام عن الهوية الأصلية المفعمة بالجمال والمكان. وما نراه هو أن الدولة تسعى سعياً حثيثاً لترسيخ هوية الدولة والحفاظ على تراثها، ولكن الدور المفقود هنا هو أن رب الأسرة الذي له الدور الأكبر والأخطر في تعزيز مكانه اللغة العربية. فإذا افتقدت المدرسة هذا الجانب المهم كان لزاما على ولي الأمر بحث الأمر مع المدرسة، وعليه أن يسعى لإرساء أرضية حقيقية في التعامل مع اللغة العربية كمادة دراسية لا تقل أهمية عن أي لغة أخرى أو مادة دراسية، إن لم تكن هي الأهم والأخطر. فاليوم في مجال العمل تجد فئة قليلة جداً من الموظفين الجدد حديثي التخرج من المرحلة الجامعية يعرفون كيف يصيغون رسالة باللغة العربية، ويعترفون بعجزهم عن كتابة ثلاثة أسطر بلغة صحيحة ومن دون أخطاء إملائية! هي فعلاً أزمة حقيقية تحتاج إلى وقفة جادة، وإلى إعادة النظر في مستوى اللغة العربية بالمدارس، خاصة أن بعض أولياء الأمور يحتاجون إلى بناء قناعة تامة بأهمية اللغة العربية وبجمال جذورها. جميلة هي اللغة العربية وجميلة مفرداتها وصفاتها والأجمل أن نحتفل بها في كل أيامنا شغفاً وحباً وصيانة لها ولكل محتواها الثري العميق.