سبق تمرير قرار مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة رقم (2334)، والذي يعيد تأكيد عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية، قدر كبير من الشد والجذب. وبدأ ذلك صباح الخميس بحالة من الاضطراب عندما بدا واضحاً أن الحكومة المصرية ستطرح قراراً بشأن المستوطنات الإسرائيلية للتصويت في مجلس الأمن، وأن إدارة أوباما ستدعم هذا القرار، سواء بالتصويت أو بالامتناع عن استخدام حق النقض الفيتو. وفي يوم الأربعاء، كانت هناك إشارة إلى أن شيئاً ما يحدث خلف الكواليس، فالمتحدث باسم البيت الأبيض ظهر في برنامج إخباري على إحدى القنوات التليفزيونية، وأشار إلى أن المستوطنات الإسرائيلية غير قانونية، وهي المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك منذ إدارة «كارتر». وعلى الرغم من أنه حاول لاحقاً «توضيح» تصريحاته، فإن الرسالة كانت قد وصلت. وتبع ذلك إعلان يقول إن وزير الخارجية الأميركي «جون كيري» سيدلي بخطاب سياسي يوم الخميس قبيل اجتماع مجلس الأمن الدولي، الذي سيتم التصويت فيه على مشروع القرار الفلسطيني. ودخل الرئيس المنتخب دونالد ترامب على خط الأحداث بتغريدة قال فيها: «إن القرار المنظور أمام الأمم المتحدة بخصوص إسرائيل ينبغي استخدام حق (الفيتو) ضده». وبعد دقائق معدودات، كرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذا المطلب بتغريدة مماثلة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر». وأشارت تقارير إلى أن ترامب ونتنياهو أجريا اتصالات مباشرة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وطالباه بسحب القرار. وأعقب ذلك إلغاء خطاب كيري فجأة. وفي نهاية يوم الخميس، أصدرت نيوزيلندا، بالتعاون مع ماليزيا والسنغال وفنزويلا، بدعم من منظمة التحرير الفلسطينية، نداءً إلى مصر لتقديم القرار. وعندما لم تطرح القاهرة القرار للتصويت، تابعت المجموعة التي تقودها نيوزيلندا، وتم تحديد موعد للتصويت على القرار بعد ظهر الجمعة. وفي رد على هذا التطور، زادت وتيرة التهديدات من الإسرائيليين والرئيس المنتخب ومجلس الشيوخ الأميركي. وعند الساعة الثانية ظهراً، اجتمع مجلس الأمن الدولي، وتحدث الأعضاء، ومن ثم جرى التصويت، بإجماع 14 عضواً، وامتناع الولايات المتحدة عن التصويت، وهو ما ضمن تمرير القرار. وما يضيف إلى هذه الدراما، أن قاعة مجلس الأمن التي تتسم عادة بالهدوء الشديد، انفجرت في حالة من التصفيق الحار عقب تمرير القرار رقم 2334. وردّ الرئيس المنتخب بتصريح متنمر لا يبشر بخير قائلاً: «بالنسبة للأمم المتحدة، ستكون الأمور مختلفة بعد العشرين من يناير». أما عضو مجلس الشيوخ «ليندساي جراهام»، رئيس اللجنة المشرفة على تمويل العمليات الخارجية، فوصف القرار بأنه «إجراء استفزازي» يجب التعامل معه «بحزم وقوة»، وهدد بقطع التمويل الأميركي عن الأمم المتحدة. ومن جانبه، ردّ نتنياهو بطريقة هيستيرية واصفاً التصويت بأنه «معادٍ لإسرائيل بطريقة مخزية»، واتهم إدارة أوباما بتشكيل «عصابة» ضد إسرائيل، معلناً أن حكومته لن تلتزم بأي من بنود القرار. وبالنظر إلى نص قرار مجلس الأمن رقم 2334، في حد ذاته، يتساءل المرء: لماذا كل هذه الجلبة، والمبالغة في ردود الأفعال. فهو في الحقيقة لا يفعل شيئاً سوى إعادة التأكيد على عقود من السياسات الأميركية تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ويعيد القرار التأكيد على المبادئ الراسخة في القانون الدولي بخصوص عدم شرعية احتلال أراضي بالقوة، وتطبيق «ميثاق جنيف الرابع» على الأراضي المحتلة. وفي ضوء ذلك، يقرّ القرار بأن الإجراءات التي تقوم بها إسرائيل؛ من مصادرة للأراضي، ومن بناء للمستوطنات، وترحيل للسكان إلى أماكن أخرى من الأراضي المحتلة.. تمثل انتهاكات للقانون الدولي. ويُذكر القرار كلاً من الإسرائيليين والفلسطينيين بالالتزامات التي قدموها للمجتمع الدولي، مستشهداً بمؤتمر السلام في مدريد، وخارطة الطريق الرباعية، ويشير بصورة خاصة إلى كيفية تهديد المؤسسة الاستيطانية لإمكانية حل الدولتين، وأي حل سلمي عبر المفاوضات للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، بينما ينبّه الفلسطينيين إلى مسؤوليتهم فيما يتعلق بشجب كل أشكال العنف ضد المدنيين والتحريض على العنف. وهناك من سيرفض القرار الأممي باعتباره قراراً آخر بلا تأثير، وسيتم تجاهله. غير أن التصويت الشهر الماضي في الجمعية العامة على بيان بصياغة مماثلة، والذي أيده 156 عضواً مقابل 3، ومن ثم تصويت مجلس الأمن الآن، يؤسس لجبهة عالمية متحدة ضد السياسات الإسرائيلية فيما يتعلق بضم الأراضي، ويهدد بمزيد من العزلة للحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية بقيادة ترامب في المجتمع الدولي. وما توضحه ردود أفعال ترامب ونتنياهو أنه ليست لديهما نية تأييد مجرد قرار خاص بالصراع، ويبدو أنهما لا يعيران بالاً لما قد يتصوره بقية العالم. ولعل ذلك هو المتوقع، لكننا الآن نراه يتجسد قبل شهر واحد من تولي الإدارة الجديدة السلطة.