خلال السنوات الثماني الماضية، كان الرئيس أوباما يتعامل مع فكرة الدولة اليهودية بشيء من الاستخفاف، وكأنه يقول لإسرائيل: لأننا نهتم كثيراً ببقائك على المدى الطويل، فلقد اخترنا أن نساعدك على التخلص من الإدمان على بناء المزيد من المساكن في القدس الشرقية. وأما دونالد ترامب، فإن له رأياً آخر. ولم يكتفِ بتسمية ديفيد فريدمان، وهو الداعية الشهير لتحقيق حلم إسرائيل الكبرى، سفيراً في إسرائيل، ولا بتجاهل الحديث عن «حل الدولتين» خلال اجتماعات الحزب «الجمهوري» عام 2016، بل إن إدارته المقبلة وعدت بنقل سفارتها إلى القدس. ويبدو أن هناك أمراً مخالفاً هذه المرة لما كان يحدث في الثمانينيات. فلقد دأب رؤساء أميركا منذ ذلك الوقت على تقديم التعهدات بنقل السفارة إلى القدس خلال حملاتهم الانتخابية والحنث بذلك الوعد عند وصولهم إلى البيت الأبيض. وسوف يرتكب ترامب خطأ كبيراً لو نفَّذ وعده. وكما قال فريدمان من خلال تصريح أدلى به الأسبوع الماضي، فإنه عازم على مزاولة عمله الدبلوماسي الرسمي من خلال ما سماه «سفارة الولايات المتحدة في عاصمة إسرائيل الأبدية، القدس»! وبالنسبة إلى مؤيدي ترامب، تعد هذه الأخبار جيدة. ويمكن لنقل السفارة أن يساعد على تشويه سمعة أولئك الذين يهتمون بنزع الصفة الشرعية عن دولة إسرائيل. وهذا ما قاله سفير إسرائيل في واشنطن «رون ديرمير» الثلاثاء الماضي خلال حفل استقبال تم تنظيمه في السفارة. وأنا أقول لـ«ديرمير» بكل احترام، إن هذا الإجراء محفوف بالمخاطر. ويوم الثلاثاء الماضي، قال لي «جوناثان شانزير» نائب رئيس قسم البحوث في «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، قبل إدلاء السفير الإسرائيلي بتصريحه: «لقد علمت من الإسرائيليين أن أي تحرك مفاجئ للولايات المتحدة باتجاه القدس يمكن أن يؤدي إلى انتفاضة فلسطينية ثالثة، وقد يقوّض العلاقات الاستراتيجية بين الأردن وإسرائيل، وأن يؤدي إلى إجهاض دبلوماسية التهدئة مع المملكة العربية السعودية». وحذر «دان أربيل» نائب رئيس البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية في واشنطن بين عامي 2009 و2012، من نقل السفارة الأميركية إلى القدس. وقال لي إن ذلك يهدد العلاقات الإسرائيلية في المنطقة ويجعلها أكثر تعقيداً. وأضاف: «وأنا سأتجنب الذهاب بعيداً في هذا الشأن لأقول بأن ذلك سوف يمثل نهاية اتفاقية السلام مع المصريين أو الأردنيين. وسوف يلقي بظلاله على التعاون المتزايد في القضايا الأمنية، وسيزيد من صعوبة تعزيز علاقات التعاون التي تصب في مصلحة إسرائيل». وأما مؤيدو اتفاقية أوسلو التي مضى عليها 23 عاماً، فيرون أن نقل السفارة إلى القدس يمكن أن يؤدي إلى كوارث حقيقية، وذلك لأن الولايات المتحدة كانت متمسكة بموقفها الثابت من أن وضع القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة عام 1967، لن يتحدد إلا عن طريق التفاوض مع الفلسطينيين. وفي عام 1980، أعلنت إسرائيل رسمياً عن ضم القدس الشرقية زاعمةً أن القدس الموحَّدة هي عاصمتها. ومنذ ذلك الوقت، أخذت ضواحيها البلدية في التمدد والتوسع. وبالفعل، بدأ بعض المراقبين بإطلاق توقعاتهم بحدوث نكسة دبلوماسية. ويوم الاثنين الماضي، قالت سارا ياركس، الدبلوماسية السابقة في مكتب العلاقات الفلسطينية في وزارة الخارجية الأميركية خلال احتفال نظَّمته «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»: «يمكنك أن ترى الآن بوادر انتفاض الفلسطينيين والمصريين والأردنيين». ويوم الاثنين الماضي أيضاً، قال صائب عريقات كبير المفاوضين في السلطة الفلسطينية إن مثل الحركة يمكن أن تؤدي إلى انسحاب منظمته من المفاوضات مع إسرائيل. ومن الجدير التذكير بأن عريقات كان يُكثر من التهديد بوقف عملية السلام. ويكون من المهم هنا التساؤل حول ما إذا كان الفلسطينيون قادرين على تحمل المزيد من مشاعر الغضب ضد إسرائيل. وخلال فترة رئاسة أوباما، تعرض الإسرائيليون لما يسمى «انتفاضة الطعن بالسكاكين» فضلاً عن موجة من الحرائق المفتعلة والدهس بالعربات تحت اسم المقاومة. وعلى الرغم من كل ما حدث، فإن عباس لم يقطع التعاون الأمني مع إسرائيل. وعندما ازدحمت مواقع التواصل الاجتماعي بالمنشورات التي تشجع الفلسطينيين على طعن المزيد من الإسرائيليين بشكل عشوائي، سارع عباس إلى إرسال الشرطة لمصادرة السكاكين من طلاب المدارس الثانوية. ويمكن لكل هذه الأحداث أن تنبئنا بما يمكن أن يحدث في إسرائيل لو تم نقل السفارة الأميركية إلى القدس. ويكون من باب الإنصاف أن نتساءل عن مدى التردي الذي ستشهده الشوارع الفلسطينية، وعن مدى الضرر الذي سيواجهه الإسرائيليون ذاتهم في خلفية هذا المشهد. وتربط بين إسرائيل وكلٍّ من مصر والأردن اتفاقيتا سلام تشيران بوضوح إلى أن وضع القدس لا يمكن أن يتحدد إلا عن طريق المفاوضات. وقال لي دبلوماسيون عرب قبل أيام إنهم قلقون من نقل السفارة لأن ذلك سوف يؤدي إلى انطلاق مظاهرات عنيفة يصعب التحكم فيها في بلدانهم. ويمكن التخفيف من هذه المشكلة بشكل جزئي. فمن خلال مقال نشرته صحيفة «نيويورك صن»، تحدث الموظف الكبير السابق في وزارة الخارجية «إفرام كوهين»، عن الطريقة التي يمكن بها لترامب أن يتخذ قراراً بإطلاق اسم «السفارة» على القنصلية الأميركية في القدس الغربية، حتى يتجنب المشاكل والتداعيات التي يمكن أن تنجم عن بناء مركّب دبلوماسي أميركي جديد داخل القدس. وإذا أراد ترامب أن يصبح صديقاً حميماً لإسرائيل، فيتوجب عليه أن يركز على الطريقة المناسبة لتطوير العلاقات معها. وسوف يكون يلوغ هذا الهدف أكثر صعوبة لو نفذ وعده بنقل سفارته إلى القدس. إيلي ليك* *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»