في أعقاب التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) والاستفتاء الذي أُجري مؤخراً في إيطاليا، ومع قرب إجراء الانتخابات الوطنية في هولندا وفرنسا وألمانيا في عام 2017، هناك شعور بالقلق من أن أوروبا ربما تكون قد غمرتها موجة شعبوية مدفوعة إلى حد كبير بالأحزاب «اليمينية» التي تستغل المشاعر المناهضة للعولمة والهجرة والمسلمين. وفي الواقع، يبدو أن الاستراتيجية تحقق نجاحاً: فاستطلاعات الرأي تُظهر أن الناس الذين لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه «الجبهة الوطنية» في فرنسا، وحزب «البديل من أجل ألمانيا» الألماني وحزب «من أجل الحرية» في هولندا يميلون إلى أن يكونوا أكثر سلبية بشأن المهاجرين، واللاجئين والمسلمين أكثر من مواطنيهم. وعلاوة على ذلك، فهم أكثر تشككاً في أوروبا وأكثر حذراً من العولمة مقارنة بمواطنيهم. وفي حين أن الخطاب البغيض والوطني لزعيمة الجبهة الوطنية «مارين لوبان» أو مؤسس حزب «من أجل الحرية» الهولندي «خيرت فيلدرز» هو بالتأكيد العامل الرئيس لجذب المؤيدين، فإن شدة واتساع المشاعر اليمينية والشعبوية بين المتعاطفين مع الحزب- وكذلك أقلية كبيرة من الجمهور- هي أمر ملحوظ في فرنسا وألمانيا وهولندا. والسؤال الذي لم يجد إجابة حتى الآن هو ما إذا كانت وجهة نظر هذه الأقلية بإمكانها أن تصبح مشتركة على نطاق واسع في الشهور القادمة. أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز «بيو» للأبحاث في عشر من دول الاتحاد الأوروبي هذا العام أن هذا قد حدث بالفعل في بولندا والمجر، حيث لا يوجد فارق كبير بين مشاعر الجماهير بشأن التنوع أوالمهاجرين أو المسلمين وهؤلاء الذين يفضلون الأحزاب «اليمينية» الحاكمة ووجهات نظر الآخرين الذين لا يحبذونها. في فرنسا، يقول 45% ممن لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه «الجبهة الوطنية» إن التنوع يجعل بلادهم مكاناً أكثر سوءاً للعيش فيه. ويعتقد 24% فقط من سكان فرنسا بوجه عام ذلك، بيد أن 34% من أولئك الذين يرتبطون بتيار الجمهوريين من (اليمين- وسط) يتفقون مع مؤيدي «الجبهة الوطنية»، ومرشحهم «فرانسوا فيلون» هو من أبرز المنافسين في الانتخابات الرئاسية العام القادم. وفي الوقت نفسه، ما يقرب من نصف المتعاطفين مع «الجبهة الوطنية» يعبرون عن وجهة نظر سلبية تجاه المسلمين، مقارنة بـ29% فقط ممن يحملون مشاعر مناهضة للمسلمين بين الجماهير. وما يقرب من ثلاثة أرباع مؤيدي «الجبهة الوطنية» يعتقدون أن اللاجئين القادمين من العراق وسوريا يشكلون تهديداً كبيراً لفرنسا، في حين أن 45% من الشعب الفرنسي يوافق على ذلك. ولكن ليست كل القضايا تتعلق بـ«الآخرين» في المجتمع الفرنسي، حيث نجد أن جميع المتعاطفين مع «الجبهة الوطنية» هم أكثر سلبية وقلقاً. لكن المشاعر المناهضة للتنوع لدى الجمهوريين تستحق المراقبة. في ألمانيا، ما يقرب من 6 من كل عشرة أشخاص ممن يحملون وجهة نظر إيجابية تجاه حزب «البديل من أجل ألمانيا» يرون أن التنوع هو أمر سيء بالنسبة إلى البلاد. ونحو 3 من عشرة فقط من الشعب الألماني يشاركونهم هذه الرؤية. بيد أن 39% من أنصار حزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» و«الاتحاد الاجتماعي المسيحي» بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل يعتقدون أن التنوع سيء. والمشاعر المعادية للمسلمين بين المتعاطفين مع «حزب البديل من أجل ألمانيا» هي ضعف الموجودة بين الشعب بوجه عام (59% مقابل 29%) وكذلك الخوف من أن اللاجئين يشكلون تهديداً للبلاد (63% مقابل 31%). ودعوة ميركل مؤخراً إلى فرض حظر على ارتداء البرقع (زي إسلامي يغطي وجه المرأة) وتعهدها بأن أزمة اللاجئين «لا يجب أن تتكرر» تشير إلى أنها حساسة تجاه الاستجابة لبعض المشاعر المعادية للآخرين بين ناخبي حزبها. وفي هولندا، واجه «خيرت فيلدرز»، مؤسس حزب «من أجل الحرية» الشعبوي اليميني، مؤخراً اتهامات بالتحريض على الكراهية العرقية. هؤلاء الذين يحملون وجهة نظر إيجابية لحزبه هم أكثر سلبية تجاه «الآخرين» مقارنة بالشعب الهولندي بوجه عام. أكثر من 6 من كل عشرة مؤيدين للحزب يقولون إن التنوع سيجعل هولندا مكاناً أسوأ للعيش فيه. وفقط 36% من الشعب بأكمله يعتقدون ذلك. وهناك تفاوت مماثل في الآراء بشأن المسلمين (62% لأنصار حزب من أجل الحرية مقابل 35% بين الشعب ككل) وبشأن اللاجئين (59% مقابل 36%). ويشير استطلاع للرأي أجراه مؤخراً معهد «موريس دي هوند» في هولندا إلى أن حزب «من أجل الحرية» من الممكن أن يفوز بمعظم المقاعد البرلمانية في الانتخابات الهولندية المقبلة. أما التشكيك في أوروبا وقضية السيطرة الوطنية، وهي صرخة استنفار كبيرة بين أولئك الذين صوتوا من أجل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، فإنها تفصل أيضاً هؤلاء الذين يفضلون الأحزاب الشعبوية اليمينية في الدول الأخرى. وبين الألمان، نجد أن ثلثي المتعاطفين مع حزب «البديل من أجل ألمانيا» يعربون عن وجهة نظر غير مواتية للاتحاد الأوروبي و6 من كل عشرة يريدون عودة بعض السيطرة إلى برلين من بروكسل. ويقارن هذا مع ما يقرب من نصف (48%) هؤلاء الذين يريدون عودة السيطرة إلى الدولة القومية. وفي هولندا، هناك 7 من بين عشرة من أنصار حزب «من أجل الحرية» يحملون وجهة نظر سلبية للاتحاد الأوروبي (مقابل 46% من الشعب) ويقول 6 من عشرة إن بعض سلطات الاتحاد الأوروبي يجب أن تعود إلى لاهاي (مقابل 44% من الشعب بأكمله). بروس ستوكس* *مدير إدارة المواقف الاقتصادية العالمية بمركز بيو للبحوث ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»