لم تكد الأنباء تنتشر عن اغتيال «أندريه كارلوف» السفير الروسي في تركيا، حتى بدأت تجري المقارنات بين حادث الاغتيال وما حدث عام 1914. فقد ارتفعت مؤقتاً عمليات البحث على جوجل عن اسم ولي عهد امبراطورية النمسا -المجر «فرانز فرناند». وكتب المحلل الأميركي «بيل كريستول» تغريدة على تويتر جاء فيها أن العناوين «بها شعور مزعج يذكرنا بما حدث عام 1914». ورصد أوين جونز من صحيفة جارديان «أجواء عام 1914 التي من الصعب للغاية تجاهلها». وفي عام 1914، اغتال القومي الصربي «جافريلو برنسيب» ولي العهد النمساوي «فردناند» لتتحرك سلسلة الأحداث نحو الحرب العالمية الأولى التي أودت بحياة 17 مليوناً، وجعلت أوروبا أنقاضاً. ومع الأخذ في الاعتبار عدم اليقين بشأن الأحداث الجارية والأطراف الضالعة في الأمر، فإن الانسياق شديد نحو مثل هذه التناظرات. لكن هناك خطراً حقيقياً يتمثل في أن أي تناظر تاريخي يؤدي إلى مقارنات سطحية ويتجاهل العناصر المختلفة. ومثل هذه التناظرات تعطينا إحساساً زائفاً بالأمن حتى لو كانت السوابق مروعة. إننا نحس بأننا نعرف ما سيأتي لاحقاً وكيفية الاستجابة له، وأن كل شيء معلوم وتحت السيطرة. لكن الواقع أن ليس لدينا أي فكرة عما هو قادم، وإذا تصرفنا بثقة زائدة وأسيرة للتناظرات فإن احتمالات سوء التقدير تتزايد بشدة. ودعنا نلقي نظرة على سابقة الحرب العالمية الأولى. ففي عام 1914، كانت أوروبا برميل وقود ينتظر الشرارة. وفشل نظام للتحالفات كان يحافظ على السلام، بقدر ما منذ نصف قرن، في استيعاب الحقائق الجديدة للامبراطوريات الواسعة والحرب الحديثة والملكيات المتعفنة. وما كان يكفل ذات يوم الاستقرار أصبح يكفل الفوضى تقريباً. وكان شعور امبراطوريات ذاك الزمان بالأمن أقل من يسمح بتفويت لحظة اغتيال «فرناند». وما أن بدأت قطعة دومينو تسقط حتى تساقطت الأخريات ومعها عواقب لم يكن من الممكن تخيلها. من المؤكد أن هناك أصداء لهذا حالياً. فتركيا وروسيا تقودهما نظم حكم سلطوية حريصة على استعراض القوة. وتركيا عضو في حلف (الناتو)، وهو تحالف نشأ لمواجهة العدوان الروسي. وبالنظر إلى عدم الاستقرار في أوروبا والولايات المتحدة والخوف المحسوس الذي خلقه عدم الاستقرار هذا، فإن عام 2016 هو تكرار أكيد لعام 1914. وهنا تكمن المشكلة في مثل هذه التناظرات، فهي تتعلق بالمتشابه وتتغاضى عن المختلف في كل لحظة تاريخية. وهذا هو السبب الذي يجعل التناظر التاريخي خطيراً للغاية في أوقات مثل هذه. فروسيا ليست راغبة في خوض حرب مع «الناتو»، وحين يتعلق الأمر باختبار قوة الناتو فإن روسيا تفضل استفزاز أطراف التحالف وليس ضرب قلبه. ولكم أن تنظروا إلى أعمال بوتين في أوكرانيا. وضم القرم مثير للإزعاج لكن بوتين لم يكن مستعداً للمغامرة بحرب تستولي على باقي أوكرانيا التي يعتقد أنها جزء من روسيا. وفي سوريا التي تدعم فيها روسيا نظام الرئيس بشار الأسد، أبطأ بوتين في دخول القتال وفضل تقديم دعم سياسي وسلاح في السنوات الأولى من الحرب بدلاً من التورط المباشر. فلماذا يدخل في حرب مع تركيا وهي حليف مهم للولايات المتحدة وعضو في الناتو؟ وإذا أعلن الحرب على تركيا فتصرفه سيكون خارجاً تماماً عن سياق تصرفاته في الآونة الأخيرة. والقضية الثانية في التناظر التاريخي هي أنه يتجاهل التاريخ. فقبل الحرب العالمية الأولى لم يتمخض نظام للتحالف عن مثل هذه النتائج الكارثية. وحقيقة الحرب التي يعلمها كل طرف الآن تغير الحسابات التي قام بها كل طرف. وفي عام 1914، لم يعرف الناس شيئاً مثل الحرب العظمى بنتائجها المدمرة. لكن الجميع يعرفون ذلك الآن. ونحن نعيش موسماً عامراً بالتناظرات التاريخية. فبعض الأميركيين ينظرون إلى ألمانيا بقلق كما كانوا يفعلون في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ويستقون خبرات من هاتين الحقبتين ليروا من خلالها ما بين أيديهم حالياً. لكن التناظرات التاريخية تطمس في الغالب المعالم بدلاً من توضيحها وهي تقدم تأكيدات بدلاً من التفسيرات. واللجوء إلى التناظرات التاريخية السهلة يؤدي بنا إلى أن نعتقد أننا نفهم العالم والمستقبل بأفضل مما نفهمه بالفعل. والحقيقة هي أننا لا نعرف ما الذي سيحدث فيما بعد ولا أفضل طريقة للاستجابة على ما قد يحدث. والتاريخ يقدم لنا دروساً للحاضر وليس كوابح للمستقبل. وبدوره هذا يقدم لنا التاريخ معلومات للفهم، ولا يملي علينا شيئاً. والذين يفشلون في التعلم من الماضي ربما يكون مقدراً عليهم تكراره، لكن من يبالغون في العلم به مقدر عليهم الفشل أيضاً. نيكول هيمير: أستاذ مساعد في جامعة فيرجينيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»