يحتل سرطان البروستاتا المرتبة الثانية، على قائمة أكثر الأمراض السرطانية شيوعاً بين الرجال، وبنسبة 15 في المئة من جميع السرطانات التي تصيب الذكور، متخطياً بذلك سرطان القولون، والمعدة، والكبد. كما يحتل سرطان البروستاتا المرتبة السادسة على صعيد عدد الوفيات بسبب السرطان بين الرجال. ففي عام 2010 تسبب سرطان البروستاتا في وفاة أكثر من ربع مليون رجل، وهو ما يشكل زيادة بمقدار الضعف عن وفيات عام 1990، والتي بلغت 156 ألف وفاة. وتتباين وتختلف معدلات الإصابة بسرطان البروستاتا بشكل ملحوظ حول العالم، حيث تبلغ أدناها في جنوب وشرق آسيا، وأقصاها بين شعوب الدول الأوروبية، وأميركا الشمالية، وأستراليا. وتعتمد استراتيجية علاج سرطان البروستاتا -أو إدارة المرض كما يحلو للبعض أن يطلق عليها- على عدة أساليب وتدابير، مثل الجراحة، والعلاج الإشعاعي، والموجات الصوتية عالية الشدة، والجراحة بالتبريد، والعلاج الكيميائي، أو مزيج من تلك الأساليب، أو ربما حتى مجرد الانتظار والمراقبة والمتابعة الدورية. ويعتمد اختيار أياً من هذه الأساليب أو المزج بينها، على عدة عوامل، مثل مدى ومرحلة انتشار المرض، ونتائج تحاليل وفحوصات متخصصة، بالإضافة إلى عمر الرجل، ووضعه الصحي العام، ومدى تقبله وموافقته على المضاعفات الجانبية المصاحبة للعلاج. فبغضّ النظر عن أسلوب العلاج المستخدم، تتصف حالياً التدخلات العلاجية ضد سرطان البروستاتا بنسبة مرتفعة جداً من المضاعفات الجانبية، خصوصاً فقدان القدرة الجنسية، في تسع من كل عشر حالات تخضع للعلاج، وفقدان التحكم في المثانة أو سلس البول، في عشرين بالمئة من المرضى. هذا الواقع المؤسف، على ما يبدو أن شبكة من العلماء والأطباء المنتشرين داخل 47 مستشفى في عدد من الدول الأوروبية، قد نجحوا في تغييره، ضمن اختراق طبي واعد بجميع المقاييس. فحسب النتائج التي نشرها هؤلاء العلماء والأطباء في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية المتخصصة في الأمراض السرطانية (Lancet Oncology)، نجح أسلوب علاجي مبتكر، يعتمد على ألياف ضوئية من شعاع الليزر، وبالترافق مع مادة كيميائية -مستخرجة من بكتيريا تعيش فقط في غياهب البحار وعلى قيعان المحيطات- في إحداث تغيير نوعي في معدل وشدة المضاعفات الجانبية الناتجة عن علاج سرطان البروستاتا. في هذا الأسلوب، يتم حقن المريض بالمركب الكيميائي الخاص المستخرج من تلك البكتيريا، ثم يتم إدخال ألياف ضوئية تحمل شعاع الليزر من أسفل الحوض إلى البروستاتا، وعند إطلاق الليزر يعمل الضوء المصاحب له على تفعيل العقار، والذي يقوم بدوره بقتل الخلايا السرطانية، تاركاً الخلايا السليمة دون ضرر. وحسب نتائج الأبحاث والدراسات التي شملت حتى الآن 413 رجلاً في عدد من الدول الأوروبية، شُفي نصفهم تماماً من مرضهم، ولم يبقَ لسرطانهم أثر يُذكر. وخلال متابعة المرضى، احتاج فقط 6 في المئة منهم إلى استئصال البروستاتا جراحياً، مقارنة بـ30 في المئة من حالات سرطان البروستاتا التي لم تخضع للأسلوب العلاجي الجديد. والأهم في هذا الموضوع كله، حقيقة أن تأثير العلاج على القدرة الجنسية، وعلى التحكم في البول، لم يستمر أكثر من ثلاثة أشهر، وبعد مرور عامين على العلاج كانت جميع الأعراض الجانبية المهمة قد اختفت تماماً في كل من تلقّوا العلاج. ويُشبّه الأطباءُ الأسلوبَ العلاجي الجديد، والمتوقع له أن يخضع للفحص والتمحيص من قبل الجهات الرقابية الرسمية مع بداية العام الجديد، بنفس التغيير الجذري الذي حدث في علاج سرطان الثدي لدى النساء، مع استبدال أسلوب استئصال الثدي بالكامل إلى الاعتماد فقط على استئصال الكتلة السرطانية من ثدي المرأة المصابة. ولذا يأمل الأطباء أيضاً، أن يطرح هذا الأسلوب العلاجي خيار وسط، لبعض الرجال المصابين بسرطان البروستاتا، الذي لم ينتشر بعد إلى باقي مناطق الجسم. ويظل التحدي أمام تعميم وتطبيق هذا الأسلوب العلاجي المبتكر، متجسداً في تحديد أيٍّ من المرضى سيستفيد منه بالحد الأقصى، وفي الوقت نفسه أيٌّ منهم يظل اختيار المراقبة والمتابعة الدورية، أو اختيار الاستئصال الجراحي التام، هو الاختيار الأفضل. ففي ظل تعدد الخيارات حالياً في علاج سرطان البروستاتا، يظل من المهم جداً عدم تعريض المرضى المصابين بسرطان بطيء النمو وغير مهدِّد للحياة، لأساليب علاجية نافذة، تحمل في طياتها مضاعفات جانبية كثيرة. وفي الوقت نفسه لا بد من عدم اللجوء إلى أساليب منخفضة الفعالية في مرضى مصابين بسرطان شرس، سيلقون حتفهم بسبب مرضهم إذا ما لم يتم توفير العلاج المناسب لهم.