«يتحمل المسؤولية عن هذه الوحشية جهة واحدة هي نظام الأسد وحلفاؤه».. هذا ما قاله الرئيس أوباما الأسبوع الماضي عن البربرية التي تحدث في مدينة حلب السورية، مضيفاً: «وهذه الدماء والانتهاكات مما اقترفته أيديهم». ونتابع أنا وطلابي في قسم الصحافة هنا في دبي، الأخبار عن كثب بصفة يومية، لنتحدث عن الأخبار وكيفية كتابتها. بيد أننا تابعنا هذا الخبر بحالة من الإحباط وخيبة الأمل، لأن الرئيس الأميركي لم يعترف بتبعات تقاعسه عن التحرك في سوريا. وعندما تحدثت مبعوثته لدى الأمم المتحدة «سامانثا باور»، عن العار، تساءل طلابي حول ما إذا كانت قد نظرت في المرآة مؤخراً! وبالنسبة لهم، لم يعد هناك أي عجب من عدم حضور الرئيس الأميركي أو أي ممثل أميركي آخر للمؤتمر المقبل حول سوريا. وتشير التقارير إلى أن هناك اجتماعاً في موسكو نهاية الشهر الجاري لتحديد مصير سوريا، ولن يحضره سوى الروس والأتراك والإيرانيين.. ولن يحضره حتى سوريون. وأشار أحد الطلاب إلى أن مؤتمراً دولياً حول سوريا عُقد العام الماضي في فيينا، لم يوجد فيه سوى سوري واحد كان نادلاً يخدم الدبلوماسيين! وبالطبع، قضّت صور الدمار في حلب مضاجعنا لأيام، ونشعر جميعاً بالعجز. ولي زملاء من الرجال والنساء من كل أنحاء الشرق الأوسط، أعربوا جميعهم عن حالة من الغضب واللوم، قائلين: «إن تركيا تتصرف بطريقة شنيعة لأن تنظيم (داعش) لم يكن بمقدوره فعل ما يفعل في سوريا من دون مساعدة، وإيران لها مآرب أخرى في الشرق الأوسط». واتهم اثنان من زملائي بغضب أوباما بدعم بشار الأسد. وقال أحدهما وهو أردني: «إنه أمر واضح، فقد أبرم اتفاقاً نووياً مع إيران، وهو ما يعني أنه في نفس الجانب مع روسيا والأسد». وأما بالنسبة لخليفته المنتخب، توقع زميل آخر أن «ترامب لن يفعل أي شيء مختلف»، وأرجع السبب إلى وجود دولتين تقرران كل شيء هما: إسرائيل والولايات المتحدة. وبالنسبة للبعض: الرعب في حلب ليس سوى أحدث حلقة في مسلسل خطة تدمير الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن بعض العرب الآخرين محبطون وغاضبون، يبدو السوريون مصعوقين ومصدومين ومكتئبين بسبب ما يشاهدونه، وهذا بالطبع أمر يمكن تفهمه. وقد تحدثت مع أستاذة سورية في دبي، وأخبرتني أن أقاربها في حلب كانوا قد فرّوا إلى ألمانيا. وجميعهم آمنون. لكنها قالت: «كي أكون أمينة، توقفت عن متابعة أخبار الحرب»، مضيفة بصوت حزين: «لا أستطيع!». وأُخبر طلابي أنه من المفترض أن نتعلم من أخطائنا السابقة لتفادي تكرارها. وقد تحدثنا، على سبيل المثال، عن مدينة «درسدن» الألمانية، التي سويت بالأرض في غضون أيام عام 1945، وقتل فيها عشرات الآلاف من المدنيين. لكن بعد «درسدن»، شاهدنا الدمار والقتل في يوغوسلافيا السابقة وفي رواندا وجنوب السودان والآن في حلب. ولدي طلاب من حلب. وأكدوا لي أنهم عندما زاروا أسرهم الصيف الماضي، وجدو أحياءهم آمنة، وأن هناك أجزاء من المدينة لم يتم استهدافها. وعلى الرغم من ذلك، يبدو أنهم مصدومون، وبحث كل منهم عن طريقة للتعامل مع الوضع المروّع. وأخبرني أحدهم، وهو طالب إنتاج تلفزيوني، أنه لم يعد بمقدوره مشاهدة التقارير التلفزيونية حول الحرب، من روع ما تُصوره. ورغم أنه لا يزال يقرأ عن الحرب، لكنه اضطر إلى التوقف عن مشاهدة الصور التلفزيونية عندما بدأت الضربات الجوية. وكان لإحدى الطالبات في قسم الصحافة رد فعل أكثر فتوراً، متسائلة: لماذا يتوقع السوريون أن يتعاطف معهم أحد، في حين أنهم لم يفعلوا شيئاً لأناس آخرين عندما كانوا في أزمة؟ وقالت: «لم يكن لنا رد فعل عندما كانت هناك معاناة في الصومال، ولا عندما ضربت الفيضانات الفلبين». وأضافت: «لماذا نتوقع منهم أن يكترثوا بنا إذا لما نكترث بشأنهم؟». وأكدت أنها ووالداها يتابعون الأخبار عبر التلفاز ويواصلون قراءة الأخبار في الصحف، منوّهة إلى أنها اعتادت على الأمر. وذكرت بأسى أنها ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها حلب للدمار، «لقد تم تدميرها ثلاث أو أربع مرات على مر التاريخ». ياسمين بحراني: أستاذة الصحافة في الجامعة الأميركية بدبي يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»