سيكون المرء متهماً منذ الآن بأنه من المؤمنين بالوصاية على الناس، كونهم لا يستحقون أن يكونوا أحراراً! وأنه لا يعتقد أن الحرية صنو الماء والهواء بالنسبة للإنسان لا استغناء عنها. أيضاً قد يخرج عليك من يقول: أنت حينما تطالب بالرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي (لتنظيفها) من التلوث و(تطهيرها) من (الاعتداء) على أفراد المجتمع بنشرها مشاهد الكراهية والتمييز والقتل، فأنت إنما تقول حقاً تريد به باطلاً، أو بصياغة أخرى: تُلبس الباطل حقاً. إذاً، أنت على علاقة بجهة مريبة تهدف إلى (التضييق) على حياة البشر.. أنت (…). وكلام كهذا مردود عليه، فضلاً عن أنه مفهوم جداً ومتوقَّع؛ نحن لدينا حالتان تختصران النقطة الحضارية السوداء. حالة أولى: بدا حديث الرجل طويلاً فاستعجل الختام شاكراً الحضور، فاتحاً باب الأسئلة، وليته لم يفعل؛ كون السؤال مفتاح المعرفة اللا محدودة. السؤال الأول من أحد الحضور كان (حديثك مفيد وشائق وفكرتك وصلت، من أيِّ المصادر استقيت معلوماتك؟). جاء رده: (الواتساب). والحقيقة أن الرجل ذكر مصدراً أو اثنين، لكن ما لفت النظر هو أن يكون (الواتساب) أحد المصادر المعتمدة لديه. نحن إذاً على موعد مع جيل كامل من (مثقفي الواتساب). حالة ثانية: سيدة تعاني ضيقاً نفسياً وتحسه مستمراً كالغصة في الحلق. يمتد معها إلى الليل ليجعل نومها مضطرباً تتخلله الأحلام المزعجة المتسارعة، لتعتقد في النهاية أن الكوابيس اختارتها سكناً لها. الاهتمامات العامة للسيدة (x) تعرّفك غيرتها على الأمة في مآلاتها المحزنة فهي تحرص على متابعة الأخبار. نصحها مقربون أن تقلع عن مشاهدة التلفاز وتهجره ليلاً. إرادتها الجبارة ساعدتها على الإضراب عنه حيناً، لكن ما لبث أن برز في حياتها مصدر آخر، صار بديلاً، بدأت تعتاد عليه (الواتساب)، وكان أشد أذىً عليها من التلفاز وأخباره. نحن على موعد مع جيل عليل صحياً. الدول الغربية بينهم بريطانيا، تحاول منذ فترة إقناع القائمين على شبكة (فيرست درافت - تأسست 2015) أميركية المنشأ، والتي تنتمي إليها أغلب وسائل التواصل من بينها (فيسبوك) ووكالة (فرانس برس).. إقناعهم بـ(فلترة) الأخبار لاكتشاف وحجز الكاذب منها، ومقاطع الفيديو لاكتشاف (المُفبرك) منها، خصوصاً المشاهد الفظيعة للدمار والخراب والقتل والتعذيب، لكنها وإلى وقت قريب (أسابيع على هذا المقال) لم تنجح، على الرغم من تقديمها لمرجعيات قانونية وتشريعية عليها إجماع عالمي تقريباً، توضح أن ما يطالبون الشركة به لا علاقة له بانتقاص حرية الأفراد أو المساس بها، إلاّ أن الشركة كانت وفي كل مرة ترفض بحزم، وتواجههم بأن ذلك يتعارض مع معاييرها وأهدافها، وليست مستعدة وضع الحرية الفردية على المحك؛ والحرية قيمة كبيرة يستبسل الغرب في الدفاع عنها علامةً فارقةً تميزه عن بقية مجتمعات العالم. يوم 17 من شهرنا الحالي بدا أن الشركة اقتنعت لكنها تدرس (ببطء وتأنٍّ) آفاق خطوة كهذه في حال قررت اتخاذها؛ لقد بدأت (فيسبوك) حملة تستهدف المعلومات الخاطئة التي تُنشر على منصتها. هي تجرب حالياً على عدد محدود من الأشخاص منحهم وظيفة جديدة (أكسيس) تسمح من خلالها للمستخدمين الإشارة إلى أن هذه الرسالة أو تلك معلومة خاطئة. وأدخلت (فيسبوك) ما يفيد أنها (لن تسمح للمواقع والتطبيقات التي تنشر معلومات خدّاعة أو خاطئة أن تستفيد من ترويج أي إعلانات على شبكتها). العملية ما زالت في خطواتها الأولى نحو التطوير الأمثل. أضيف أن ما جرى الحديث فيه أعلاه، يندرج في دائرة مراقبة قانون إماراتي صدر عام 2015 ويفيد (تجريم ازدراء الأديان والتمييز العنصري وخطاب الكراهية). إن أمهاتنا -وهن أمانة- بدأن يعانين كثيراً من أخبار وصور و(فيديوهات) هذه الوسائل (المنفلتة) التي تحولت -عمداً وجهالةً- إلى مصدر مَرضيّ تعدَّى السلوك ليخلَّف عللاً في الأبدان لا براء منها.