بات العالم في موقف المتفرج إزاء ما يجري في حلب ولا كلمة تعلو فوق صوت الظلم والقتل والتشريد ودفن الضمير الإنساني في سهول حلب. والسؤال المحوري هنا يقع حول أهمية السيطرة على حلب واستعادة قوات النظام هيمنتها على حلب. وتباعاً ستتساقط بقية المناطق المهمة، كما أن سيطرة النظام بالتأكيد تعني سيطرة إيران و«حزب الله» وروسيا وغيرهم من أفراد العصابة الدولية، وسيبعثر حتماً الرئيس الأميركي القادم دونالد ترامب كل الأوراق. ويُحول الأمر برمته إلى صفقة تجارية.. ويقول للعرب: حان وقت دفع الفاتورة وتحويل القدس إلى عاصمة إسرائيلية أبدية، وسيضرب حصار غير مسبوق على الجزيرة العربية من الناحية الاقتصادية.. وتصبح إسرائيل اللاعب رقم واحد في المنطقة بأسرها، وتحاول تمرير سياساتها فوق الجميع، وتتحول إيران إلى تابع مطيع.. وتركيا ستهتم بأمنها القومي أولاً وأخيراً، وستكون الحليف الأكبر لـ«مثلث الشر»، وستحصل على نصيبها من الإرث، وستقسم الأراضي العربية وفق النفوذ والسيطرة. صحيح أن أميركا دولة مؤسسات والرئيس الأميركي لا يغرد خارج سرب المنظومة ككل، وتحكمه الغايات العليا للأمة الأميركية والمصالح الأميركية والدستور الأميركي، ولكن ترامب رجل أعمال يجيد التسويق وبيع غير الموجود قبل أن يكون له كيان موجود على أرض الواقع. فنعم ما هو مقبل أمر جلل وجوهري للعالم العربي المنقسم على نفسه في وقت لا يعني فيه الانقسام أن تكون لقمة سائغة دون عناء للمتربصين بهذا الجزء المهم من العالم. ووفق جميع نظريات الجغرافيا السياسية، سيكون أكبر خطر على دول الخليج وجود حكومات عسكرية تحكم الدول الكبرى في العالم العربي. فالعسكري يقدِّر موقفاً، ويتصرف تباعاً دون عواطف، ويسعى جاهداً لتأمين الداخل وكسب الأرض التي تعد تهديداً للداخل من الخارج، والتحالف حتى مع الشيطان لتحقيق الهدف وهو الانتصار بكل الأثمان، ولذلك الاعتماد على تلك الحكومات فخ كبير لا تُحمد عقباه والنظم السياسية الليبرالية غير العسكرية هي الملاذ الأخير لتحرير المنطقة من الخوف، وليس من السيطرة عقد اتفاقيات تبادلية، والقبول بأقل الخسائر وإعادة رسم الاستراتيجيات بما يتلاءم مع واقع الإمكانيات البشرية والتقنية والعسكرية والمعرفية فالأمر حسبة عقلية.. والنتيجة لا لبس فيها.. والمكابرة في مصلحة الطرف الآخر في ظل خيارات محدودة جداً. ورجوعاً لتساؤل: لماذا حلب؟ يبدو لي أن حلب هي بوابة النظام السوري و«حزب الله» وإيران وروسيا إلى اليمن، ومنها يؤسفني أن أقول للمملكة العربية السعودية وتهديد الحدود السعودية وصولاً إلى العمق وبعدها الخليج العربي سيُرغم على التقسيم لدويلات صغيرة أو بالأحرى 3 دول رئيسية ودول مدن صغيرة وهي سيناريوهات قد تكون أشبه بفيلم رعب أو إحدى روايات الخيال العلمي، ولكنها تعكس العقلية التي يفكر بها الخصم وليس المنطق السياسي والاقتصادي والعسكري التقليدي. والوقت جداً ضيق لاتخاذ قرارات تاريخية لشخصيات تاريخية ستعيد التوازن للوطن العربي الكبير، ولا بد من المغامرة وتحدي الصعاب والتفكير بطريقة لا يتوقعها الخصم ولا الصديق. بعض الدول العربية تربطها علاقات قوية مع الكيان الصهيوني خلف الكواليس، وهذا ما يمكن اعتباره هدنة فُرضت عليها وفق معطيات موازين القوى الحقيقية في المنطقة. ويبدو أن التغيير الديموغرافي في الوطن العربي وإحلال الأقلية الصفوية في المناطق الحيوية، وتطهير أهل السُّنة وتنظيم «داعش» ليس مصادفة بل صناعة استخبارية ذكية، والحبكة وتفاصيلها تستهدف من يملك ما يحتاج إليه الأقوى في العالم. وبعد حلب والموصل سيبدأ رسمياً النظام العالمي الجديد وستكون الأمة أمام مفترق طرق، والمواجهة الحتمية وصراع دولي، ومرور إيران وصولاً إلى شمال أفريقيا هو مشروع لإحياء الإمبراطورية الفارسية، خصوصاً أن ولاية الفقيه أكبر معارضيها في الداخل وأكثر مناصريها في الخارج، أي الاختراق للداخل العربي والإسلامي، ولذلك إيران الأخطر على الأمة العربية، وهي مدعومة ومتوافقة مع النظام الدولي، ولذلك تتعايش مع الدول الكبرى من جهة وتتنافس على النفوذ من جانب آخر، لا سيما عندما تكون ديون العالم المتطور تُغرق اقتصاداته. وبحلول 2020 ستصل ديون العالم الرأسمالي وفق تقرير للبنك الدولي إلى 200 تريليون دولار، فكيف سيتركون لكم الموارد، ولا يهدمون الإسلام وهو العدو الأول للنظام العالمي. والاقتصاد الإسلامي هو البديل العقلاني للرأسمالية التي ستسقط حتماً كأيديولوجية.. ودورة الرأسمالية قربت من النهاية ولا بد من رجوع منطق الاستعمار، وبالتالي ضرورة فهم مدخلات المعادلة لترميم الاقتصاد الدولي واستيعاب متطلباته، فمتى سيفهم العرب أن حلب ليست سوى البداية؟