تذكرت، وأنا أتأمل إفناء مدينة حلب السورية، جملة كنت قرأتها هذا الصيف بمناسبة تأبين البروفيسور الأميركي «إيلي فيزيل» الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 1986 بعد وفاته مباشرة، وهي جملة صحيحة تماماً من حيث مضمونها، في رأيي. كان نص هذه الجملة هو«يجب ألا نرضى لأنفسنا أبداً أن نقف موقف المتفرج على الظلم، أوموقف اللامبالي أمام المعاناة الإنسانية». كان مضمون تلك الجملة يتطابق تماما مع تعاليم البروفيسور فيزيل، ولكن المشكلة هي أنها لم تصدر عنه، وإنما عن البيت الأبيض، ومنسوبة للرئيس أوباما. السؤال: كيف يجرؤ أوباما، وأعضاء إداراته على الحديث بهذه الطريقة؟ بعد ما يزيد على خمس سنوات أدى فيها تقاعس الولايات المتحدة عن الفعل، إلى تحويل بلدنا إلى مجرد متفرج على أكبر الفظائع في عصرنا. إن من صاغوا هذه العبارة، تناسوا أنه لا يمكن لأحد أن يكون بارد العاطفة وسامي العقل في الآن ذاته. ولسوف يسجل المؤرخون أنه خلال العذابات وأنواع المعاناة، التي تعرضت لها مدينة حلب بشكل خاص، وسوريا بشكل عام، اكتفت الولايات المتحدة بالمشاهدة، وأنها أثناء تلك المشاهدة كانت تختلق الأعذار دوما، ومن آن لآخر كانت تزين تلك الأعذار بالعبارات البليغة المنمقة. إن الحقيقة المخجلة، والتي لا تقبل النقض في تاريخنا هي أنه خلال السنوات الثماني المنصرمة، تدنت منزلة قيم الإنقاذ، والمساعدة، والحماية، والإنسانية، والديمقراطية، في سلم ترتيب سياستنا الخارجية، وفي حالات عديدة تكاد أن تكون قد اختفت تماماً. لقد جرى تدمير حلب بأيدي تحالف وحشي تقوده وتحميه روسيا. وفي الوقت الذي كان فيه هذا التحالف يذبح الرجال، والنساء، والأطفال الأبرياء، كنا مشغولين تماماً في التفكير في سيناريوهات فض النزاع. نحن بحاجة لأن نكون واضحين تماماً مع أنفسنا. فالالتزام بالعمل ضد الشر في حلب، لم يكن مختلفاً عن الالتزام بالعمل ضد الشر في سرايفو، وسريبرينيتشا، ولم يكن مختلفاً عن الالتزام بالعمل ضد الشر في رواندا. ولا في غير ذلك من المذابح التي وقعت في أماكن أخرى من العالم. سيكون من الخطأ تحليل قصورنا في سوريا، باستخدام عبارات مثل الفعل أو التقاعس عن الفعل، لأن الإدارة ابتكرت خياراً ثالثاً اتبعته ليس في سوريا فقط، وإنما من قبلها في اوكرانيا وغيرها من الأماكن. وهذا الخيار هو وسط بين الفعل والتقاعس عن الفعل، ويتمثل في الفعل الذي لا يترتب عليه عواقب. وهنا تحديدا تكمن عقيدة أوباما. فنحن دعمنا المتمردين السوريين المعتدلين، ولكن ليس بنفس درجة الجدية، أو نفس درجة السخاء الذي دعمت به دولاً وأطرافاً أخرى المتمردين السوريين غير المعتدلين. لقد اكتفينا بإرسال أعداد صغيرة من القوات الخاصة، كما اكتفت «سي آي إيه» بإدارة عدد محدود من البرامج. لقد تصرفنا بطرق كنا نحرص من خلالها على التأكد من أن فعلنا، لن يؤثر في النهاية على النتيجة المتوقعة.. كنتيجة مباشرة، أو غير مباشرة لرفضنا للاستجابة بقوة وفعالية للأزمة السورية، كان من الطبيعي أن نرى الاستبداد العلماني، والاستبداد الديني، والإبادة الجماعية، والحرب الكيماوية، والبراميل المتفجرة، والقنابل العنقودية، وتعذيب وقتل الأطفال، وتشريد 11 مليون شخصاً، وزعزعة استقرار تركيا، ولبنان، والأردن، وصعود النفوذ الإيراني في المنطقة وبروز روسيا كقوة عالمية، وتقلص مكانة الولايات المتحدة في العالم، وأزمة اللاجئين في أوروبا، وإعادة ظهور الفاشية مجدداً في أوروبا والتهديد الجديد الهام للأمن في الولايات المتحدة. إنه لشيء يدعو للدهشة أن نعرف حجم ما يمكن أن يفعله التقاعس عن الفعل، خصوصا عندما نكون نحن تحديداً من يتقاعس عن الفعل في هذا العالم. ليون ويزيلتير: زميل رئيس بمعهد بروكينجز ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»