بعد نحو أسبوعين على تكليفها بتشكيل حكومة جديدة لآيسلندا، لم تفلح بريغيتا يونسدوتير، زعيمة «حزب القراصنة الآيسلندي»، في المهمة الموكلة إليها حتى الآن. وقد سبق لحزبين آخرين أن فشلا في تشكيل حكومة ائتلافية جديدة للبلاد، لذا هناك خشية من انتهاء جهود يونسدوتير إلى نتيجة مشابهة. بيد أن «حزب القراصنة» وزعيمته يطرحان نفسيهما كنمط جديد للأحزاب والقيادات السياسية، مغاير للنمط التقليدي السائد، الأمر الذي قد يسهل عملية استقطاب الشركاء الآخرين للحكومة المرتقبة. ويونسدوتير سياسية آيسلندية، وقبل ذلك ناشطة حقوقية وشاعرة وفنانة تنتمي إلى المذهب الفوضوي. كما أنها نائبة في البرلمان الآيسلندي عن إحدى دوائر العاصمة ريكيافيك. وفي ريكيافيك ولدت بريغيتا يونسدوتير عام 1967، لوالدتها المغنية الشعبية برجبورا أرنادوتير، ووالدها الذي غادر العائلة عندما كانت بريغيتا طفلة، لتعيش في كنف جون أولافسون، الصياد البحري الذي أصبح والدها بالتبني بعد زواجه بوالدتها أرنادوتير. أكملت بريغيتا تعليمها الابتدائي ثم الثانوي، وبدأت مبكراً قراءة الأدب الفوضوي، وخلال المرحلة الثانوية ساهمت في تشغيل الفرع الآيسلندي لمنظمة «السلام الأخضر». وفي سن العشرين انتحر والدها أولافسون، وفي العام ذاته نشرت ديوانها الشعري الأول، وقالت إنها تسعى للجمع بين الفن والشعر، وإنه «من خلال نظرة شاملة لقضايا الفنانين يمكن اجتراح آفاق جديدة لذلك الجمع». وعرضت أعمالها الفنية في ثلاث قارات، وقدمت محاضرات عديدة وشاركت في الكثير من المهرجانات، ونشرت مقالاتها وقصائدها في الصحف والمجلات وعلى شاشة التلفزيون وأمواج الراديو والإنترنت. وبدءاً من عام 1995 أخذ تركيزها يتحول إلى شبكة الإنترنت، وقامت بتنظيم أول بث مباشر على الإنترنت في آيسلندا عام 1996. واستخدمت الشبكة المعلوماتية الدولية لنشر أفكارها وأعمالها الأدبية، ولتعبئة الرأي العام وممارسة أنشطتها الاحتجاجية.. حتى باتت أحد أشهر المطورين على الشبكة في بلادها، ما جعلها تقول مؤخراً: «أنا حمامة في الإنترنت ولم أخرج منها بعد». وتم انتخاب يونسدوتير للمرة الأولى كنائب في البرلمان عن الدائرة الجنوبية لريكيافيك، ممثلة عن حزب «حركة المواطنين»، في انتخابات 2009، فأصبحت عضواً في لجنة الشؤون الخارجية والبيئة وفي لجنة الاتصالات، كما شاركت في الوفد الآيسلندي إلى الجمعية البرلمانية لـ«الناتو». وفي الانتخابات التشريعية لعام 2013، أُعيد انتخاب يونسدوتير عن الدائرة ذاتها، لكن على قائمة «حزب القراصنة»، ثم أعيد انتخابها أيضاً لعضوية لجنة الشؤون الخارجية، ولجنة آيسلندا والاتحاد الأوروبي، كما أصبحت عضواً في الوفد الآيسلندي للاتحاد البرلماني الدولي. ثم أعيد انتخابها للمقعد ذاته في أكتوبر الماضي. تركت يونسدوتير حزب «حركة المواطنين»، في سبتمبر 2009، لتشكل مع نواب آخرين حزب «الحركة». لكنها تركت «الحركة» في فبراير 2012 لتشارك في تأسيس حزب سياسي جديد باسم «الفجر»، تم إعلانه في مارس 2012 بدمج ثلاثة تنظيمات: «حركة»، و«حركة المواطنين»، و«الحزب الليبرالي». ثم سرعان ما غيرت رأيها أيضاً لتقرر مع آخرين تشكيل «حزب القراصنة في آيسلندا»، والذي تأسس رسمياً في نوفمبر 2012، مع تعيين يونسدوتير بالإجماع كأول رئيسة له. ويركز «حزب القراصنة»، والذي يضم نشطاء حقوقيين وقراصنة إنترنت، على التكنولوجيا وحرية تبادل المعلومات، وهو يتصف بصبغة يسارية، ويدعو للالتزام بالشفافية السياسية، وللنموذج الاسكندنافي لدولة الرفاه، خاصة فيما يتعلق بتوفير الرعاية الصحية المجانية، واعتماد نظام السوق الحر، ورفض مزيد من الضرائب والقيود البيروقراطية. كما يلتزم بإصلاح حقوق الملكية الفكرية، مثل حقوق المؤلف وبراءات الاختراع وحماية المصنفات.. وتخفيف القوانين بهذا الصدد. كما يعد بتعزيز الحريات على شبكة الإنترنت، وحماية الحياة السياسية من تدخلات المال والأعمال. وتحت زعامة يونسدوتير، أصبح «حزب القراصنة» في 2015 الحزب الأكثر شعبية في آيسلندا، وفقاً لاستطلاعات الرأي، لكنه حل ثالثاً في نتائج انتخابات أكتوبر الماضي التشريعية، حيث نال 10 من أصل 63 مقعداً، ليزيد حصته بأكثر من ثلاثة أضعاف. وتعليقاً على هذه النتيجة، قالت يونسدوتير إنها تشعر بسعادة غامرة لحصول حزبها على نحو 15% من الأصوات، ورأت أن ذلك «تعبير عن عدم الثقة لدى الناس في الأحزاب التقليدية الحالية في السلطة، ونحن نقدم لهم حلولاً بديلة». وبمطالعة سجل النشاط الحقوقي والنيابي ليونسدوتير خلال السنوات الماضية، نجد أنها كانت من القلائل الذين تفطنوا لبوادر الأزمة المالية التي ضربت آيسلندا عام 2008، حيث دعت مبكراً للنزول في تظاهرات ضد السياسات المالية المنتهجة. وبعد إغلاق أكبر بنوك آيسلندا، وهو «كاوبثينغ»، في عام 2009، دعت يونسدوتير الناس لمطالعة وثائق ويكيليكس ليروا بأنفسهم كيف أن مسؤولي البنك يقفون وراء الأزمة، وبالفعل فقد أدان القضاء العديد منهم، مما منح شعبية كبيرة لموقع ويكيليكس في آيسلندا. وفي عام 2010 قام جوليان أسانج بزيارته لآيسلندا، لتصبح يونسدوتير مشاركة في تحرير موقع ويكليكس، كما ساهمت في إنتاج الفيلم القصير «القتل الجماعي»، حول هجوم شنته القوات الأميركية يوم 12 يوليو 2007 أوقع قتلى مدنيين في بغداد. وقد اعتمد الفيلم على 39 دقيقة من اللقطات السرية المسجلة بنظام التقاط الأهداف وتحديد موقعها من داخل مقصورة القيادة بإحدى طائرات الأباتشي الأميركية المهاجمة. وتمخضت الجهود البرلمانية ليونسدوتير من أجل سن قوانين تحمي حرية التعبير عن إقرار «مبادرة وسائل الإعلام العالمية الحديثة» من قبل «الآلثينج» في يونيو 2010. وأنهت يونسدوتير علاقتها بويكيليكس في العام التالي، لتؤسس معهد الإعلام العصري الدولي ولتصبح مديره التنفيذي. وسرعان ما انخرطت يونسدوتير في معركة قانونية وقضائية أخرى، لكنها في الولايات المتحدة، عندما أصدرت وزارة العدل الأميركية، عام 2011، أمراً لشركة «تويتر» بتزويدها بكل تغريدات يونسدوتير خلال نوفمبر 2009. ورداً على ذلك الطلب، قدمت يونسدوتير التماساً لمحكمة استئناف اتحادية في ولاية فرجينيا لإجبار وزارة العدل على كشف مزودي الإنترنت الآخرين الذين يقدمون بيانات عن عملائهم للحكومة الأميركية. وفي قضية أخرى، عام 2012، كانت يونسدوتير الطرف المدعي في دعوى التحوط ضد أوباما، عقب قانون تفويض الدفاع الوطني، الذي يسمح لحكومة الولايات المتحدة أن تحتجز، وإلى أجل غير مسمى، هؤلاء «الذين هم جزء من تنظيم القاعدة وحركة طالبان أو داعمين لهما أو لأي عمليات عدائية ضد الولايات المتحدة». وشارك معها في الدعوى مفكرون وأدباء وساسة، مثل: كريس هيدجز، نعوم تشومسكي، دانيال السبرغ، جنيفر بولين، أليكسا أوبراين، وكورنيل ويست. وبالعودة إلى آيسلندا، الدولة الجزرية الأوروبية في شمال المحيط الأطلسي، والخاضعة لحكومة تصريف أعمال منذ استقالة حكومتها السابقة على خلفية فضيحة الودائع المالية الخارجية، فقد احتل «حزب القراصنة» المرتبة الثالثة بين أحزاب البلاد في انتخابات أكتوبر الماضي، حيث لم يفز أي حزب بالأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل حكومة دون الحاجة لدعم من بقية الأحزاب. لذلك فقد توجه الرئيس الآيسلندي جادني جونسون إلى «حزب الاستقلال» الذي احتل المرتبة الأولى في الانتخابات، لكنه فشل في تأسيس تحالف مع باقي الأحزاب لتشكيل حكومة، ثم اتجه إلى «حزب الخضر» اليساري الذي حل ثانياً في الانتخابات، ففشل هو أيضاً في تشكيل الحكومة. وفي الثاني من ديسمبر الجاري أعلن الرئيس جونسون طلبه من يونسدوتير تشكيل حكومة ائتلافية بمشاركة الأحزاب الأخرى. وها قد مر أكثر من أسبوعين على تكليفها دون أن تستطيع الاطلاع بالمهمة المسندة إليها. فهي وحزبها يملكون أفكاراً ذاتية مثالية تلامس حدود الفوضوية والانغماس في عوالم الوعي الذاتي، لكنهم لا يملكون خبرة المناورة والإدارة واستراتيجية الحكم الواقعي. وقد يحتاج الأمر مجهودات وتنازلات، كي تتشكل أول حكومة تترأسها قرصان في آيسلندا! محمد ولد المنى