لم يعد من العقل أبداً أن نصدق أن هؤلاء الذين نزحوا خارج حلب سيعودون هم ذاتهم، قد يحتفظون بأسمائهم وبيوتهم وشوارع المدينة الخراب، لكنهم لن يكون أبداً أنفسهم! فـ«داعش» الأكذوبة التي كانت بوابة الحرب على العزل وعلى حضارة الشام وبهائها، تم صُنعها بمبررات مجرمة. لكن نحن اليوم أمام صناعة مؤكدة لإرهاب من نوع مختلف، إنه الثأر الذي سيأتي ولو بعد حين، وستدفع لبنان وإيران وروسيا وقتها ثمناً باهظاً لم يكن في حسبانها. وقتها لن يكون هناك عائق أمام جنون الانتقام، والثأر للدم والأرض والعرض الذي استباحه نظام مستبد، ودعا مجرمين كُثراً إلى الوليمة المغمسة بدماء الأبرياء. لن تكون حلب نهاية المطاف، لعلها البداية التي ستندلع بعدها موجات الغضب. قد غادرت «الملائكة» حلب وكل الشام ولن تعود لها من جديد، إلا بعد تصفية حسابات عالقة لن يحلها سقوط مدينة أو غيرها، فالشام ليست البوسنة ولا الشيشان إنها البلد المبارك، القديم ذو الأمجاد العتيدة. وهناك من يرى أنه لولا نفط العراق المنهوب لما قامت لإيران قائمة، فهي تعيش عليه منذ أن تم منحها بطاقة دخول مجانية من الولايات المتحدة. لن تستقر إيران، ولن تفرح أبداً بما تزعمه من «انتصاراتها» الوهمية التي تقف فيها إلى جوار جماجم وجثث الأطفال، وهي تسعى مستنفرة للفوز بالهلال الخصيب! وماذا ستفعل لهلال منهك ومتهالك وخراب يُطل على خراب؟ وإذا كان العالم يشكو اليوم إجرام «داعش» وإجرامهم، فغداً سيأتي من هو أكثر فتكاً من «داعش» وأشد قتلاً وسفكاً للدماء، فلم يعد لهم الخيار غير التحول إلى وحوش لم تترك لهم الحرب شيئاً من إنسانيتهم. ماذا سيكون حال طفل رأى أسرته تموت أمامه ورأى القنابل تتطاير كمطر شتائي مخيف، ورأى كيف يُعدم الأطباء والمرضى برصاص ميليشيات إيرانية طائفية بكل إفرازات هذه الكلمة من معانٍ بشعة. فرائحة الدم لن تفارق ذاكرته ولن يضاهيها إلا كراهية أكثر من كراهية. وسيأتي جيل كامل مثقل بذاكرة لم تحتفظ إلا بعبث المجرم ومذاق الهزيمة والطرد من بيت آمن دافئ. التاريخ قال كلمته حتى وإن حاول البعض ادعاء الصمم والعمى عن قراءة الواقع. الإرهاب القادم لن يكون صنيعة غيره، بل سيكون صناعة خالصة وأصيلة وتعبر عن حقيقة ماثلة بأن الجريمة لا تمر أبداً بلا عقاب. فالثابت يقول إن الإنسان إنسان، وإن اختلفت معه والمتحول يدعي أن الاختلاف مبرر لتصفية سيتحول الثابت إلى ثابت ولن يكون هناك إلا الثأر لغة بمفردات لن يعرفها إلا من ذاق ويلاتها. لو أننا فقط قرأنا التاريخ.. لكان هناك حديث آخر، فالتاريخ والجغرافيا يؤكدان أن الثابت الإنساني الأهم هو الحرية. *كاتبة إماراتية