لا شك أن الجهود التي تبذلها وزارة التربية والتعليم تهدف إلى الارتقاء بالمستوى التعليمي لجميع الطلبة الذين يدرسون في دولة الإمارات العربية المتحدة. ومؤخراً قرأت الأهداف الاستراتيجية للوزارة للأعوام 2017 – 2021 مع أبرز المستهدفات المطلوب تحقيقها بحلول عام 2021 ومنها أن تكون الدولة ضمن أفضل 15 دولة في مؤشر الامتحان الأميركي «دراسة التوجهات الدولية في الرياضيات والعلوم والمعروف اختصارا بـ(TIMSS)» وضمن أفضل 20 دولة في مؤشر «البرنامج الدولي لتقييم الطلبة والمعروف اختصارا بـ(PISA)» التابع لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية العالمية. وقد لاحظت أن الدولة منذ مشاركتها ما زالت تحقق نتائج في كل المواد أقل من المستوى العالمي، والذي يعادل 500 نقطة، إذ حقق الطلبة في امتحانات (تيمس) للعام 2015 نتائج أعلى من عام 2011 ولكنها ما زالت دون المستوى العالمي المطلوب. وعلى النقيض حقق الطلبة في امتحانات (بيسا) للعام 2015 نتائج أقل بكثير عن عام 2012 في العلوم والرياضيات والقراءة. علماً بأن عدد الطلبة المشاركين في الامتحانات يتجاوز الـ28 ألف طالب وطالبة من كل الجنسيات يدرسون مناهج تعليمية مختلفة. وشخصياً أعتقد أن تدهور نتائج طلبة الدولة في امتحان (بيسا) هو محصلة العديد من العوامل والتي لا تتعلق جميعها بوزارة التربية والتعليم، بل تشمل أيضاً الجانب الأسري والثقافة العامة لأهمية الامتحان بجانب عوامل أخرى مختلفة. ولكن في ظل عدم وضوح الرؤية عن أسباب تراجع مستويات طلبة الدولة في امتحان (بيسا) العالمي واستمرار انخفاض معدلاتهم عن المستوى الأميركي المطلوب في (تيمس) فإن الأمر يخضع للاجتهاد ومحاولة المساهمة في تحليل الأسباب. فهل من الأسباب تطبيق الوزارة لسنوات طويلة سياسة (النجاح التلقائي) لطلبة الحلقة الأولى في المدارس الحكومية (من الصف الأول إلى الخامس) والتي قامت الوزارة مؤخراً بتعديلها لتكون فقط للصفين الأول والثاني، فكيف نتوقع من طلبة ينجحون تلقائياً التفوق في الامتحانات الدولية في مواد العلوم والرياضيات والقراءة والبعض منهم لا يستطيع قراءة أسئلة الامتحانات المحلية؟! أم في عدم الإعلان عن نتائج الطلبة المواطنين بالتحديد والمشاركين في الامتحانات الدولية لكي ندرك موقع ومستقبل أبنائنا خصوصاً أن المقارنة المُعلن عنها رسمياً مع طلبة بقية الدول العربية تشمل طلبة من جنسيات وثقافات مختلفة يدرسون مناهج تختلف جذرياً عن المناهج الوطنية؟ أم الحجم الضخم جداً لكتب المناهج المدرسية في الصفين الأول والثاني على سبيل المثال والذي يصل تقريباً عدد صفحات المقرر منها في كلٍّ من الرياضيات والعلوم إلى 500 و300 صفحة على التوالي؟ أم في عدد الطلبة الكبير في الصفوف والذي قد يصل إلى 32 طالباً مما يؤثر بالسلب على التحصيل الأكاديمي؟ أم لنصاب الحصص للمعلمين والذي قد يصل إلى 24 حصة أسبوعياً من الصف الأول إلى الخامس بجانب المهام الأخرى؟ أم عدم جاذبية تصميم العديد من المدارس الحكومية للطلبة، وهي التي تم بناؤها منذ عقود، وتخضع فقط للصيانة السنوية؟ أم دمج بعض الاختبارات في يوم واحد مثل مادتي الرياضيات والعلوم للصفين 1 و2 وقد يصل عدد الصفحات الخاضعة للامتحان إلى أكثر من 200 صفحة، وذلك في الفصل الأول فقط؟ أم لضعف التوعية المجتمعية لأولياء الأمور المواطنين حول أهمية تلك الامتحانات الدولية؟ أم أن هناك أسباباً أخرى. إني على يقين بأن الوزارة تبذل جهوداً كبيرة لإصلاح العديد من نقاط الخلل الموجودة منذ عقود، ولكن في الوقت نفسه يستمر التراجع في نتائج الطلبة المواطنين، وهم من يهمنا أمرهم في المقام الأول، في الامتحانات الدولية ما لم تتم دراسة وتحليل أسباب الإخفاق بهدوء والإعلان عنها بكل شفافية ما دامت المستويات الدولية، لا العربية، هي هدفنا. *باحث إماراتي