أسهمت الاضطرابات التي عصفت بالعالم العربي في إحداث تغييرات جذرية في مواقف الشعب العربي تجاه قوى إقليمية وعالمية مهمة. وهذه واحدة من بين نتائج استطلاع رأي أجراه مركز «زغبي للخدمات البحثية»، شمل أكثر من سبعة آلاف شخص في ست دول عربية هي مصر ولبنان والأردن والسعودية والإمارات والعراق، إلى جانب تركيا وإيران. وشملت الدراسة واسعة النطاق، التي تم إعدادها من أجل منتدى «صير بني ياس»، عدداً من الموضوعات، إذ طلب من المستطلعة آرائهم تحديد العقبات التي تواجه الاستقرار، ومصادر الصراعات في العراق وسوريا وليبيا، وأسباب التطرف، وكيفية التعامل مع تهديد الإرهاب. ويبدو التغير الشديد في المفاهيم الإيجابية والسلبية في المنطقة تجاه الأدوار التي لعبتها القوى العالمية والمحلية مثيراً للاهتمام، وله مدلولات مهمة. ومن خلال اللقاءات الشخصية المباشرة، التي أجرها مركز «زغبي» في نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر الماضيين، توصل المركز إلى أن المملكة العربية السعودية تحظى بموقف قوي بدرجة استثنائية في العالم العربي، في حين أن المواقف المؤيدة تجاه إيران وتركيا تواصل التراجع. وهذه التقييمات، والمراجعات المتباينة تجاه الولايات المتحدة وروسيا تعكس التحولات التي حدثت خلال السنوات القليلة الماضية. وفي عام 2006، قبل عقد واحد مضى، انصب تركيز معظم العرب على استمرار الحرب الأميركية في العراق، والدعم الأميركي للهجوم الإسرائيلي المدمر على لبنان، وسياسات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وفي ذلك السياق، لم يكن من المستغرب أن تكون المواقف تجاه الولايات المتحدة في أدنى مستوياتها. وعندما شنّ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد «حرب كلمات» على أميركا وإسرائيل، زادت مستويات التأييد تجاه إيران. وفي عام 2009، أثار أردوغان، الذي كان يشغل منصب رئيس الوزراء التركي آنذاك، الحماسة بانتقاده المتلفز للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز. وأدى هذا السلوك إلى ارتفاع في مستوى التأييد في العالم العربي لأردوغان وتركيا. وزادت هذه الحماسة، بعد أن قطع الأتراك العلاقات مع إسرائيل وواصلوا التحدي العلني لسياساتها. غير أن ذلك كله تغير خلال العقد الماضي، إذ أغضب التدخل الإيراني السافر في شؤون المنطقة العرب، وأدى ذلك إلى تراجع كبير ومستمر في مستوى تأييدها. وكان المسمار الأخير في نعش تأييد إيران هو دعمها للنظام السوري. وحتى في لبنان التي كانت مستويات تأييد إيران فيها إيجابية بشكل كبير خلال العقد الماضي، انضمت الآن إلى بقية دول العالم العربي، لتصبح مستويات التأييد فيها سلبية تماماً تجاه إيران. وتجدر الإشارة أيضاً إلى أنه لا توجد أية دولة عربية ترى فيها أغلبية أن إيران تقوم بأي دور إيجابي في المنطقة، أو تعتبر أنه من المهم أن ترتبط دولهم بعلاقات طيبة مع الحكومة في طهران. وتلقت تقييمات العرب لتركيا ضربة قوية بسبب جهودها الحثيثة لزعم دور القيادة الإقليمية وانحدارها المقلق تجاه الاستبداد. وفي حين تسجل المواقف تجاه تركيا وإيران تراجعاً كبيراً في أنحاء المنطقة، تواصل المملكة العربية السعودية الحصول على أعلى مستويات تأييد في كافة الدول العربية وتركيا. وترى أيضاً أغلبية في كافة الدول العربية أن المملكة تسهم في السلام والاستقرار. وترى أن إقامة علاقات طيبة مع السعودية ذات أهمية كبيرة، حتى أن غالبية الإيرانيين المستطلعة آرائهم يؤيدون إقامة علاقات طيبة مع السعودية. وعلى صعيد القوتين العالميتين اللتين شملهما الاستطلاع، نالت الولايات المتحدة وروسيا مستويات تأييد متدنية. ولم تكن مستويات تأييد كل منهما إيجابية سوى في دولة واحدة، فكان تأييد الولايات المتحدة إيجابياً في لبنان، وكذلك روسيا في إيران. ولم تُعتبر روسيا أو الولايات المتحدة تروجان السلام والاستقرار، وكانت الردود متباينة عند السؤال حول أهمية علاقات طيبة معهما، إذ رأى المستطلعة آرائهم في لبنان والأردن والإمارات أنه من المهم إقامة علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، في حين أرادوا في مصر ولبنان وإيران علاقات جيدة مع روسيا. وسجلت مستويات التأييد للولايات المتحدة أدنى مستوياتها في العراق مقارنة بكافة الدول الأخرى. ولم يعتبر سوى 6 في المئة فقط من العراقيين أن الولايات المتحدة تسهم في السلام والاستقرار داخل الشرق الأوسط، ورأى 16 في المئة فقط من العراقيين أنه من المهم أن تكون لدولتهم علاقات طيبة مع الولايات المتحدة. وعلى الصعيد السلبي، من الواضح جداً أن المواقف العربية تجاه الولايات المتحدة لا تزال متأثرة بعمق من الحرب الدموية الفاشلة التي استمرت فترة طويلة في العراق، وضعف الثقة في الولايات المتحدة كوسيط أمين. ونتيجة لذلك، بعيداً عن الرغبة في مزيد من الريادة والتدخل الأميركي في الصراعات الإقليمية، يرى المستطلعة آرائهم في الدول الثمان كافة أن الدور الأميركي مصدر للمشكلات ينبغي تجنبه.