في أعقاب حملة الانتخابات الأميركية، أصبح يُنظر إلى روسيا باعتبارها مشاغباً رقمياً، ولذا يتعين على موسكو أن تحتاط بشكل خاص لحماية أمن معلوماتها، لكن خصومها لا يمتلكون قدرات تجسس رقمية هجومية كبيرة فحسب، بل يشكون في تورط روسي في كل هجوم. وبعد أن اتهمت روسيا بمحاولة التأثير في السباق الرئاسي الأميركي، تواجه موسكو الاتهامات نفسها من ألمانيا. فالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل دعمت فرض عقوبات على روسيا وتؤيد بشدة إقامة شراكة قوية مع الولايات المتحدة، ولذا لدى الرئيس الروسي حوافز قوية كي يسعى لتقويض نفوذ ميركل. والأسبوع الماضي، نشرت «ويكيليكس»– التي تنسق فيما يبدو ما تسربه مع منافذ الدعاية الروسية- مواد من تحقيق في البرلمان الألماني بشأن التعاون بين جهاز «بي. إن. دي» الاستخباراتي الألماني ووكالة الأمن القومي الأميركية، والقضية حساسة سياسياً للألمان المهتمين بخصوصية المعلومات، والذين لا يروقهم تعاون بلادهم مع الوكالة الأميركية التطفلية. وفي نهاية الشهر الماضي، انقطعت خدمة الإنترنت عن نحو 900 ألف من عملاء شركة «دويتشه تيليكوم» أكبر مقدم لخدمة الإنترنت في ألمانيا، وأعلنت الشركة أن المشكلة سببها «عملية تخريب متعمدة». الرئيس الروسي وافق يوم الاثنين الماضي على مبادئ روسية جديدة لأمن المعلومات. وأشارت المبادئ الجديدة إلى «عدد من الدول الأجنبية التي تعزز قدرتها التكنولوجية لتؤثر «على البنية التحتية الروسية لتحقق أهدافاً عسكرية». وأشارت المبادئ الجديدة أيضاً إلى وكالات استخبارات أجنبية تحاول «ممارسة ضغط نفسي من خلال المعلومات من أجل زعزعة استقرار الوضع السياسي الداخلي في عدة مناطق من العالم لتقويض سيادة وسلامة أراضي الدول». وأشارت الوثيقة التي تضمن النهج الجديد إلى أن الموقف الروسي ضد مثل هذه الممارسات هو الدفاع. ونُشر النهج الجديد في اليوم ذاته الذي أعلن فيه جهاز «إف. إس. بي» الاستخباراتي الداخلي الروسي أنه يتوقع هجوماً رقمياً من «أجهزة أجنبية خاصة» ضد القطاع المصرفي الروسي. ففي الثاني من ديسمبر، أعلن بيان لجهاز إف. إس. بي. أن البنوك الروسية قد تتعرض لهجوم من خوادم في هولندا مملوكة لشركة «بليزينجفاست»، التي مقرها أوكرانيا. وفي الوقت ذاته أعلن الجهاز نفسه أن شبكات التواصل الاجتماعي ستمتلئ بالرسائل التي تثير الرعب عن انهيار بنوك معينة وعن خطط البنك المركزي لسحب رخصها. لكن شيئاً لم يحدث في البنوك الروسية، ولم ينتشر هلع عبر شبكات التواصل الاجتماعي أيضاً. وأشار متحدث باسم شركة «بليزينجفاست» أن النشر أخاف أي مهاجم يحتمل أن يكون قد خطط للهجمات، لكن إعلان «إف. إس. بي»، ربما كان جزءاً من حملة الكرملين لتقديم روسيا باعتبارها ضحية وليس محرضاً على الهجمات في الفضاء الرقمي. ورغم أن الشركة الأوكرانية لم تُتهم مباشرة بالتورط في الهجوم الرقمي، لكن روسيا تخشى بشدة الأوكرانيين. فعلى خلاف وكالات الاستخبارات الألمانية والأميركية الحريصة على ألا تبدأ حرباً شاملة مع روسيا فإن أوكرانيا متورطة بالفعل في حرب بالوكالة مع جارتها الشرقية. وأوكرانيا بها عدد كبير من خبراء تكنولوجيا المعلومات الممتازين. وقد كانت جماعة أوكرانية من نشطاء التخريب الرقمي هي من اخترقت البريد الشخصي لمستشار بوتين فلاديسلاف سوكوف في أكتوبر الماضي. ولم يجد المهاجمون شيئاً حساساً يُذكر لكنهم أظهروا قدرتهم على مهاجمة خوادم الكرملين. ولطالما شعرت موسكو بالقلق من هيمنة برامج الكمبيوتر الغربية ونفوذ الولايات المتحدة الكبير على شركات الإنترنت. وفرضت روسيا قواعد مشددة على شركات الإنترنت تلزمها بإبقاء بيانات الروس الشخصية داخل حدود البلاد. والآن لم تعد المسألة تتعلق بحماية أو حتى تأمين البيانات الشخصية الروسية. لقد أصبح لدى روسيا أسباب كثيرة كي تتوقع هجمات على نظمها الحيوية انتقاماً من مزاعم تقول إن هناك تدخلاً روسياً في الانتخابات الأجنبية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»