من المثير للاهتمام أن نسمع فجأة حديث الجمهوريين عن الحاجة الملحة لتحفيز مالي في أميركا، بينما حاولوا في السنوات الثماني الماضية، بما في ذلك خلال أكثر أيام الركود الكبير ظلاماً، إقناعنا بأن التحفيز المالي لا يجدي نفعاً، وأن الطريقة الوحيدة لدعم النمو الاقتصادي حقاً هي خفض عجز الموازنة. ولكن الآن وقد أصبحوا على وشك التصرف في الأموال الاتحادية، قرروا أن يكونوا كينيزيين (نسبة إلى الاقتصادي الشهير جون مينارد كينز) من جديد. ومن الواضح لأي شخص عارف بالتحليل الاقتصادي، أننا لا نحتاج لتحفيز كينزي في الوقت الحالي. وذلك لأن معدل البطالة بلغ 4,6 في المئة فقط، وهو في سبيله للاختفاء مع مرور الأيام. والاقتصاد ينتج أكثر من 175 ألف وظيفة كل شهر، وكثير من الصناعات تقول إنها تستطيع توظيف آخرين إذا توافر لها عمال مدربون. والأجور ترتفع بسرعة لم تبلغها منذ عقد وبإيقاع أسرع من ارتفاع الإنتاجية. وأرباح الشركات وأسعار الأسهم في مستويات مرتفعة قياسية. وبفضل عملية الشراء الجريئة للسندات والاستحواذ عليها من قبل الاحتياطي الاتحادي، ما زالت السياسة النقدية ميسّرة بشكل عام. و«كينز» نفسه ما كان ليرى أن هذا وقت ملائم لاستخدام سلطات الحكومة في جمع الضرائب والإنفاق لدعم الاقتصاد. والواقع أن رؤية الفقاعة الآخذة في التشكل في أسهم وأسواق العقارات كان من المرجح أن تجعل «كينز» يوصي بفائض في الميزانية في الوقت الحالي. صحيح أن تشغيل المصانع ما زال منخفضاً قليلاً عن متوسطه التاريخي ولكن هذا طبيعي في اقتصاد تقلص التصنيع. وفي ظل وجود مناطق من البلاد ما زالت تعاني من تقلص التصنيع فليست هناك أدلة على أن انفجاراً في الإنفاق الحكومي أو الخاص سيصحح بأي درجة كبيرة وضع هذه التجمعات السكانية أو انتشار البطالة فيها، أو عمالها الذين يفتقرون للمهارات، أو شركاتها غير القادرة على المنافسة. وبلغة الاقتصاد، فمشكلات هذه المناطق هيكلية وليست دورية. إنه واقع قاس، ولكنه واقع على أي حال. ودعوني هنا أكون أول من يعترف بأن هذا الوقت ملائم لتعزيز الإنفاق على البنية التحتية، مع الأخذ في الاعتبار قلة الاستثمار العام، وعمليات الصيانة المؤجلة، وسعر الفائدة الذي ما زال منخفضاً لإقراض الحكومة. ولكن هناك خطرا حقيقيا هو أننا إذا حاولنا التوسف في الإنشاءات كثيراً للغاية وبسرعة شديدة، سيتبدد كثير من المال في تضخم تكلفة الإنشاء. وخاصة إذا وفت حكومة ترامب بوعدها في ترحيل العمال القادرين على الانخراط في هذا العمل. وليست هناك أيضاً حجة مفحمة لتسويغ تقليص الضرائب، على رغم الحماس لدى الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، لهذا التقليص، بأن أعباء الضرائب الاتحادية تتراجع منذ أكثر من 30 عاماً، ومازالت أقل من تلك السائدة في الاقتصادات المتقدمة الأخرى. وبالتأكيد فإن الأغنياء ليسوا في حاجة إلى تقليص آخر في الضرائب لأنهم قد تمتعوا به لعقود. ولا هذا يهم الطبقة الوسطى أيضاً لأن عدداً كبيراً من أفرادها لا يدفعون أموالاً كبيرة في ضريبة الدخل، والذين يفعلون منهم ذلك يفضلون رؤية هذه الأموال تستخدم في تقديم رعاية شاملة لأطفالهم قبل مرحلة رياض الأطفال، أو في رسوم تعليم مجانبة لأولادهم، أو توفير بنية تحتية أفضل تقلص الوقت الذي ينفقونه في الانتقال إلى عملهم، أو تأمين اجتماعي أكبر حين يتقاعدون. وبالنسبة للفقراء، فلأنهم لا يدفعون ضرائب على الدخل، فلن يستفيدوا من تقليص الضرائب، ما لم يحدث ميل مفاجئ لدى الجمهوريين لزيادة وتعزيز رصيد الضرائب على الدخل المكتسب. والليبراليون يسارعون هنا إلى الجدال بأن تقليص الضرائب للطبقة الوسطى والفقراء ضروري لتقليص عدم المساواة المتزايدة في الدخول الناتج عن سوق العمل. والواقع أن قانون الضرائب الأميركي تقدمي بالدرجة نفسها تقريباً في أوروبا أو اليابان. ولجعل النظام الأميركي تقدمياً أكثر يتعين علينا أن نزيد الضرائب ونستخدم العائدات الإضافية لتقديم المزيد من الخدمات ودعم دخل الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وإلا تعين علينا إصدار إيجاد عمل وأعراف في السلوك الاقتصادي تجبر الأسواق على توزيع الدخول على أساس أكثر مساواة. وفي نهاية المطاف يجب على السياسيين الذين يتسابقون إلى تقليص الضرائب، أو يزيدون الإنفاق، أن يعترفوا بأنهم يفعلون ذلك لأسباب سياسية أو إيدولوجية بحتة، وعليهم ألا يحاولوا تسويغ ذلك على أساس فشل الاقتصاد أو ضعفه. فالاقتصاد يبلى بلاء حسناً، نشكركم، ولكن الأمر ليس كذلك في السياسة. ستيفن بيرلستين* * أستاذ في جامعة جورج ميسون ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»