في الأشهر القليلة الماضية لم تدخر الهند جهداً في محاولة عزل باكستان دبلوماسياً في المنطقة كوسيلة للضغط على جارتها الشمالية في جنوب آسيا كي تمضي قدماً نحو اتخاذ إجراءات صارمة ضد الجماعات الإرهابية التي تستهدف الهند. وفي الآونة الأخيرة عُقدت الدورة السادسة من مؤتمر «قلب آسيا» في مدينة «أمريتسار» في منطقة البنجاب الهندية وانتهزت نيودلهي فرصة المؤتمر لتركز على أهمية قضية الإرهاب لدول المنطقة. ويضم المؤتمر أربع عشرة دولة، وهي الهند وباكستان وأفغانستان وطاجستان وقيرغيزستان وأذربيجان وتركمانستان وكازاخستان والصين وروسيا وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وتركيا. وحضر المؤتمر أيضاً بالإضافة إلى الدول الأعضاء ممثلو 17 دولة داعمة، من بينها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وانصب اهتمام المؤتمر على مناقشة القضايا الإقليمية، خاصة تعزيز الأمن والتعاون الاقتصادي والسياسي بين أفغانستان وجيرانها. لكن الهند وأفغانستان أصرتا على تأكيدهما التهديدات التي تشهدها بلادهما والقادمة من الأراضي الباكستانية في غمرة اتهامات بأن عناصر في الجيش الباكستاني أيدت سراً خلايا لجماعات إرهابية. وركز الرئيس الأفغاني أشرف عبد الغني ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي على الإرهاب العابر للحدود القادم من باكستان. وأقر إعلان المؤتمر الذي وافقت عليه كل الدول أن الإرهاب هو أكبر خطر للسلام، وأن الدول تريد القضاء على كل صور الإرهاب على الفور. وحتى أقرب حليف لباكستان وهي الصين لم يسعها إلا أن تؤيد إرادة الدول المشاركة. وأعلنت الهند في المؤتمر أيضاً أن الدول قلقة من مستويات العنف المرتفعة التي تحدث في أفغانستان والضالعة فيها جماعة «طالبان» وجماعات إرهابية أخرى مثل «داعش» و«عسكر طيبة» و«جيش محمد» وغيرها. وأشارت الهند إلى أن كل الدول اعترفت بضرورة اتخاذ إجراءات جادة للتصدي لظاهرة تجنيد الشباب في الشبكات المتطرفة والإرهابية. ووافق الرئيس الأفغاني أشرف عبد الغني على الموقف الهندي من الإرهاب. ولم يخف الرئيس الأفغاني اعتقاده بأن باكستان تتحمل مسؤولية انتشار الإرهاب، معلناً أن «بعض الدول مازالت تقدم ملاذا آمنا ودعما» للشبكات الإرهابية التي تعمل في أفغانستان. كما وجّه الرئيس الأفغاني نصيحة مفادها بأن تنفق باكستان 500 مليون دولار من أجل اقتلاع جذور الشبكات الإرهابية داخل الأراضي الباكستانية نفسها بدلاً من تعهدها بإنفاق هذا المبلغ في المساعدة في إعادة إعمار أفغانستان. وأشار عبد الغني إلى أن السلام لن يحل ما لم تتخذ باكستان إجراءات مشددة تستهدف البنية التحتية للإرهاب الذي تصدره ليس فقط إلى أفغانستان، بل إلى الهند ومناطق أخرى من العالم. وتجلى في المؤتمر أيضاً التزام الهند الدائم بمساعدة أفغانستان. وتعهدت نيودلهي بتقديم المزيد من المساعدات المالية وتبلغ قيمتها مليار دولار لأفغانستان لإقامة بنيتها التحتية ولأنشطة تنموية أخرى. وعقد البلدان اجتماعاً ثنائياً ليضعا خريطة طريق لإقامة ممر جوي في مسعى لتعزيز التجارة بين البلدين. ومازالت الهند شريكاً مهماً في إعادة إعمار أفغانستان وأنفقت حتى الآن 2.2 مليار دولار في شق طرق رئيسية وإنشاء مشروعات إعادة إعمار أخرى مثل إنشاء مبنى البرلمان الأفغاني وغيرها من المشروعات. ولم تركز على المشروعات الكبيرة فحسب بل ساهمت أيضاً في كثير من مشروعات الصحة والتعليم الصغيرة ضمن استراتيجية حظيت بكثير من الإشادة والترحيب من السكان المحليين. وواجه دور الهند في أفغانستان دوماً انتقادات من باكستان التي تخشى أن يكون للهند موطئ قدم في أفغانستان التي تعتبرها إسلام أباد عمقها الاستراتيجي. وعلاقة البلدين تواجه عراقيل بسبب نزاع حدودي غير محسوم بشأن إقليم كشمير. وكلا البلدين يدعي الحق الكامل في الإقليم المقسم بين البلدين اللذين خاضا ثلاث حروب بشأنه. وكشمير مصدر دائم للتوترات على الحدود حيث يتبادل الجانبان إطلاق النار علي الرغم من إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار بينهما. وفشلت كل المحاولات السابقة لحسم هذه القضية البارزة من خلال الحوار سواء بسبب تبادل إطلاق النار عبر الحدود أو نتيجة وقوع هجمات إرهابية في الهند. وفي عام 2008، خرجت عملية السلام عن مسارها بعد هجمات إرهابية وقعت في مومباي نفذتها جماعة «عسكر طيبة» الإرهابية في عدد من المواقع في العاصمة المالية لشبه القارة الهندية مما أودى بحياة 164 شخصاً. ومازال تأثير مؤتمر «قلب آسيا» محدودا ولا يتوقع أن يتغير شيء على أرض الواقع قريبا، لكن المؤتمر مازال معتركاً مهما للدول لتوحيد كلمتها على محاربة الإرهاب الذي لم تسلم منه أي دولة ومنها باكستان التي وقعت ضحية هجمات كبيرة نفذتها جماعات إرهابية محلية. وقد تؤدي محاولات الهند لعزل باكستان دبلوماسياً إلى تغيير توازنات القوى في المنطقة مثل أن تتعاون الصين أو حتى روسيا مع باكستان بشكل أكبر. وبينما ما زالت بكين الحليف القوي في كل الظروف لإسلام أباد منذ فترة طويلة، فإن روسيا جنحت في الآونة الأخيرة إلى تعزيز علاقاتها العسكرية مع باكستان بعد ميل الهند المستمر نحو الولايات المتحدة الأميركية. * رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي