زملائي المواطنين الأميركيين: مهما يكن من مزيج الدوافع التي جعلت مجمعنا الانتخابي يختار دونالد ترامب رئيساً، فقد تغاضينا عن افتقاره للاستعداد للمنصب، وتغريداته في منتصف الليل على تويتر، وسيل الأنباء التي يطلقها مستشاره للأمن القومي، واستعداده لأن يعين منكري تغير المناخ دون حتى الحصول على إفادة معلوماتية واحدة من أكبر علماء المناخ في العالم في الحكومة التي سيتزعمها قريباً، وتجاسره على إنكار استنتاجات وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي. آي. أيه.) عن عبث الروس عبر الإنترنت بانتخاباتنا. والواقع أن هناك شيئاً ينتمي لما قبل التاريخ في الحكومة التي يؤلفها ترامب. إنها حكومة يهيمن عليها تماماً أشخاص أنفقوا حياتهم في التنقيب عن الوقود الأحفوري من النفط والغاز والفحم أو دافعوا عن ذلك. ولعلمكم فإن ما جعل أميركا عظيمة فعلاً هو قدرتنا على جذب أكثر المهاجرين ذكاء ونشاطاً، وقدرتنا على «تطوير تكنولوجيا وتغذية رأس مالنا البشري»، وليس مجرد التنقيب عن الفحم والنفط، كما يؤكد ذلك إدوارد جولدبيرج الذي يقوم بالتدريس في مركز الشؤون العالمية في جامعة نيويورك. ولا تسيئوا فهمي، فمن المقبول أن نشكك في تغير المناخ، لكن من غير المقبول ألا نجلس مع خبراء حكومتنا في وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) والإدارة القومية للمحيطات والغلاف الجوي للحصول على إفادة قبل تعيين أشخاص يتباهون بإنكار تغير المناخ دون حجة علمية في كل منصب كبير يتعلق بالمناخ. ومن المسوغ أن نشكك في احتمال عبث روسيا بانتخاباتنا. لكن من غير المستساغ أن ننكر احتمال هذا دون الحصول أولاً على إفادة من سي. آي. إيه. وليس كل أهداف ترامب خاطئة، فإذا فتح أبواب الابتكار والاستثمارات في البنية التحتية، فهذا سيكون شيئا جيداً للغاية. وأنا لست ضد العمل عن كثب أكبر مع روسيا في القضايا الدولية أو تبني موقف أكثر شدة تجاه التجارة مع الصين. لكن من الخطورة ألا يبالي النمو بتأثيرات المناخ، وألا يلتفت التعاون مع روسيا إلى سياسات فلاديمير بوتين، وألا تنتبه الجرأة الأكبر تجاه الصين للتوازن الأمني الدقيق بين الصين والولايات المتحدة وتايوان، وهو ما أنتج الرخاء والاستقرار في آسيا لأكثر من أربعة عقود. والخوف يكمن في أن المواقف المتطرفة فيما يتعلق بالطاقة والبيئة والسياسة الخارجية والتي لا تكترث بالتوازن الذي قد تحققه أية أصوات معتدلة، قد تتسبب في مشكلات لإدارة ترامب، وستؤدي إلى رد فعل عكسي. وبالفعل هناك بعض المشرعين «الجمهوريين» الذين يحبون بلادهم أكثر مما يخافون تغريدات ترامب مثل السيناتورين ليندسي جراهام وجون ماكين، اللذين يؤكدان على ضرورة أن يجري الكونجرس تحقيقاً في احتمال قيام روسيا بعبث رقمي في الانتخابات الرئاسية الأميركية. وإذا أكد الكونجرس ما تعتقده الاستخبارات، وهو أن روسيا تدخلت في عمليتنا الديمقراطية، فهذا عمل من أعمال الحرب يستدعي فرض أشد العقوبات الاقتصادية قسوة. وفي الوقت نفسه، فإن استعداد ترامب لأن ينكر معتقدات جماعة الاستخباراتيين برمتها، لأن استنتاجاتها تتناقض مع مواقفه، قد يضره فيما بعد. ودعنا نفترض أن (سي. آي. أيه) توصلت بعد ستة شهور إلى أن كوريا الشمالية على وشك الانتهاء من صاروخ نووي يمكنه الوصول إلى ساحلنا الغربي. وأصدر الرئيس ترامب أوامر بضربة استباقية وهو ما قد يؤدي إلى الكثير من عدم الاستقرار في آسيا. وفي اليوم التالي دافع ترامب ومستشاره للأمن القومي مايك فلاين، مصدر سيل الأنباء الزائفة عن هيلاري كلينتون، عن موقفهما بالقول «تصرفنا بناء على الثقة الكبيرة في تقييم سي. آي. أيه.»، فمن سيصدقهم بعد أن ضربوا صفحاً عن استنتاجات الوكالة من قبل؟ وأخيراً، فقد أظهر ترامب موقفاً غريباً تجاه بوتين. فقد أراد بوتين أن يفوز ترامب بالرئاسة لاعتقاده بأنه سيكون رئيساً يضعف تأثير أميركا في العالم بإضعاف التزامها تجاه القيم الليبرالية، وبإضعاف قدرة أميركا على قيادة التحالف الغربي لمواجهة عدوان بوتين على أوروبا. وبوتين عازم على النيل من الديمقراطية في أي مكان يستطيع فيه ذلك. ويتعين على ترامب أن يرسل إلى بوتين رسالة صريحة اليوم مفادها «إنني لست مغفلك!» وكما كتب «لاري دايموند» الخبير في الديمقراطية في جامعة ستانفورد، في مقالة نشرت في موقع «أتلانتيك دوت كوم» في الأيام القليلة الماضية: «أكثر مسائل السياسة الخارجية إلحاحاً الآن هو كيف ترد أميركا على التهديد المتصاعد الذي تمثله روسيا بزعامة بوتين للحرية، وأهم ركيزة لها وهو التحالف الغربي. فلا شيء سيشكل العالم الذي نعيش فيه بعمق أكثر من الكيفية التي ترد بها إدارة ترامب على هذا التحدي». توماس فريدمان * * كاتب أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»