عادة ما تُعزى مسألة زيادة عدم المساواة في الدخل باعتبارها نتيجة حتمية لأسباب عديدة مثل العولمة والأتمتة وسوى ذلك. ولا أتحدث هنا عن مدى التفاوت الموجود في حال فرض الحكومة الأميركية ضرائب على الأغنياء لإنفاقها على الفقراء. بل إن الأمر متعلق بمدى التفاوت الموجود قبل أن تنخرط الحكومة في الاشتغال على مسألة الضرائب والتحويلات. وحتى هذا الأسلوب نفسه، كما يقول خبراء الاقتصاد «توماس بيكيتي» و«إيمانويل سايز» و«جابرييل زوكمان»، قد تغير كثيراً في بعض الدول مقارنة ببعض آخر. وهذا يعني أنه في حين أن ثورة التجارة والتكنولوجيا قد خدمت أصحاب الدخول العالية في كل مكان، إلا أن عوامل أخرى قد حدّت من عدد من يملكون أو من يستفيدون من هذه الطفرة في تنامي الثروة. هل تريدون توضيحاً أكثر لهذا الكلام العام؟ انظروا فقط إلى الفارق بين فرنسا والولايات المتحدة. فمنذ عام 1980، عندما بدأ عدم المساواة في الدخل يتفاقم بالفعل، شهدت طبقة الـ50% الأقل دخلاً في فرنسا زيادة في الدخل، قبل اتباع سياسة زيادة الضرائب والتحويل بنسبة 32% بعد حساب التضخم. وفي الوقت نفسه، فإن طبقة الـ50% الأقل دخلاً في الولايات المتحدة لم تشهد أي تغيير في المداخيل على الإطلاق. وقد ظلت ضائعة على مدى ثلاثة عقود ونصف. وهذا أسوأ مما قد يبدو بمجرد أن تدرك أن الأميركيين كانوا يعملون لفترات أطول من الفرنسيين، وبعد ذلك يأتون في المؤخرة. والفرنسيون، على أي حال، يأخذون عطلة في شهر أغسطس من كل عام، ومباهج دولة الرفاه عندهم معروفة. ومن المهم أن نتذكر أن الاتجاهات العالمية مؤشرات مهمة في الحكم على الفروق في عدم المساواة. ولا يمكن إلقاء اللوم على طفرة التجارة والتكنولوجيا وحدهما وزعم كونهما السبب في تراجع دخل الطبقة العاملة في الولايات المتحدة، في حين أنها لم تكن كافية لتتسبب في تآكل دخل الطبقة العاملة في فرنسا. وهناك شيء آخر ينبغي وضعه في الاعتبار. فالهامش الذي كان يدعم قدرة العمال على المساومة ضاع مع تكثيف الاستعانة بالروبوتات وتصدير الوظائف لأسواق خارجية. لقد ذكر لي «زوكمان» أن سياسات مثل رفع الحد الأدنى للأجور والتشجيع على توحيد النقابات، ومزيد من المساواة في التعليم، هي التي جعلت طبقة الـ50% الأدنى دخلاً تكون أفضل حالاً في فرنسا منها في الولايات المتحدة. وإن كان هذا قد لا يعني أيضاً بالضرورة أن الأمور ظلت دائماً تسير على ما يرام في فرنسا. فقد زادت أجور هذه الطبقة الدنيا بنسبة 0,9% فقط سنوياً. ولكن أي شيء يبقى أفضل من لا شيء، ولا شيء هو ما ظلت الطبقة العاملة في الولايات المتحدة تحصل عليه لفترة طويلة. والمسألة هي أن القوة التفاوضية للعمال مهمة. فكروا في الأمر على هذا النحو. وإذا لم تكن لديك قدرة كبيرة على المساومة، فلن تستطيع الحصول على العديد من الزيادات، وإذا لم تحصل على زيادات فلن يكون لديك المال للتبرع على سبيل المثال لتمويل حملة سياسية أو دعم مرشح مستعد للتجاوب مع مطالبك! وهذا صحيح حتى في الحالة المقابلة. فكلما جمع الأغنياء مزيداً من المال، كلما كان لديهم ما يكفي للضغط من أجل فرض فرض السياسات التي يريدونها، والتي من شأنها أن تساعدهم على مراكمة مزيد من المال أيضاً. وفي الواقع، فإن عالما السياسة «مارتن جيلنز» من جامعة برينستون و«بنيامين بيج» من جامعة نورث ويسترن وجدا أنه لا يهم تقريباً ما الذي يريده الناخبون العاديون عندما يتعلق الأمر بمشاريع القوانين التي يمررها الكونجرس. فكل ما يهم هو ما تريده النخب وجماعات المصالح «جماعات الضغط». وبعبارة أخرى، فإن الديمقراطية الأميركية تعمل من أجل نسبة 1% الأكثر دخلاً من الشعب، لأن الرأسمالية الأميركية تفعل ذلك، والرأسمالية الأميركية تعمل من أجل شريحة الـ1% هذه لأن الديمقراطية الأميركية تقبل ذلك. بيد أن الأمور ليس بالضرورة أن تكون بهذه الطريقة. فبإمكاننا دفع المزيد من المال لعمال الحد الأدنى من الأجور، ويمكننا أن نفعل الكثير من المال على التعليم لتزويد عمال الأجور الدنيا بالمهارات التي يحتاجونها لرفع أدائهم. ولكننا لا نفعل ذلك في أميركا. لقد اخترنا عدم المساواة. والنتيجة هي أن الرأسمالية تعمل بشكل أفضل في فرنسا منها في الولايات المتحدة. مات أوبراين: محرر الشؤون الاقتصادية في مدونة «وونكبلوج» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»