بعد أقل من أسبوعين يبدأ عام جديد وهي مناسبة لتأمل العام المنصرم والمقارنة بين المشهد العربي المظلل بقتامة الإرهاب والفتن وتمزق الدولة الوطنية في العراق وسوريا وليبيا واليمن، والمشهد الإسرائيلي الملون بانتصارات تحققها نوازع التسلح وتفوق القوة العسكرية وأطماع التوسع وقضم أرض الضفة الغربية وزراعتها بالمستوطنات والمستوطنين اليهود. نبدأ من الأيام القريبة الماضية، ففي يوم الاثنين الماضي، أي منذ أربعة أيام فقط، احتفلت إسرائيل بقياداتها السياسية والعسكرية وإعلامها وجماهيرها احتفالاً مبتهجاً وحاراً بوصول أول طائرتين من طراز الشبح «إف 35» الأميركية إلى القاعدة العسكرية في نفطيم جنوبي فلسطين 1948، بحضور زعماء الدولة الإسرائيلية ومعهم وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر وممثلو شركة لوكهيد المنتجة للطائرة. ويكفي لكي نفهم سبب هذا الشعور الاحتفالي أن نقرأ تعليق الجنرال عاموس يادلين نائب قائد سلاح الطيران الإسرائيلي السابق حول هذا الحدث، حيث قال: «هذا يوم عيد لإسرائيل وسكانها وهذه الطائرات تمثل قفزة نوعية كبيرة لتفوق إسرائيل الجوي في الشرق الأوسط. الطائرتان تمثلان الدفعة الأولى من صفقة مكونة من خمسين طائرة تسدد ثمنها الخزينة الأميركية من مخصصات المساعدات العسكرية الأميركية». إسرائيل تشعر مع بداية تنفيذ الصفقة المكونة من خمسين طائرة من هذا الطراز، والتي تكتمل خلال ثماني سنوات، أنها الأكثر أماناً، فخصائص الطائرة تمكنها من اختراق الرادارات والإفلات من منظومات الصواريخ الأكثر تطوراً من طراز «إس 300» الروسية الصنع والتي حصلت عليها إيران لحماية مواقعها النووية، كما نشرتها القوات الروسية في الأراضي السورية وعززتها بمنظومة صوارخ «إس 400» والتي تستطيع طائرة الشبح الإفلات منها أيضاً. وبالإضافة إلى ذلك تتمتع الطائرة بأنظمة حماية متطورة من صواريخ «جو جو» ومضادات للانبعاثات الحرارية، كما تتمتع بمنظومة رادارية بعيدة المدى تغطي عشرات الأميال وتحبط أي محاولات لاكتشاف وجودها. يتحدث العسكريون الإسرائيليون بمباهاة عن القدرة النيرانية للطائرة، فهي قادرة على حمل 16 طناً من الصواريخ والقنابل، كما أن نموذج A منها يتمتع بالقدرة على الإقلاع والهبوط عمودياً مثل طائرات الهليكوبتر، مما يعطيها قدرة مذهلة على سرعة التحرك وأيضاً على أداء مهام متنوعة. ويتحدثون أيضاً بفخر عن المساهمة التي تقدمها شركة إسرائيلية في تطوير وصناعة المعدات الإلكترونية للطائرة، والخوذة التي تمكن الطيار من الرؤية الليلية في الاتجاهات كافة في نطاق 360 درجة، ويتباهى قائد سلاح الجو الإسرائيلي بأنه سيحصل على النماذج الثلاثة من هذه الطائرة والتي تتمتع بقدرات متنوعة في الإقلاع والهبوط. إذا نحينا المشهد الإسرائيلي ليوم الاثنين وتوجهنا إلى المشهد العربي في مصر، فسنجد قبل ذلك بيوم واحد، أي يوم الأحد الماضي مشهداً استيقظ فيه المصريون على جرس إنذار بتسلل خطر الإرهاب من سيناء إلى قلب القاهرة على الأرجح بسبب التضييق الذي حققته قوات الجيش على أنشطة «داعش» في سيناء. وكانت مأساة إنسانية محزنة ومفجعة تلك التي خلَّفها الانفجار الإرهابي في الكنيسة البطرسية بالعباسية بالقاهرة، وعشنا في مصر نحن المسلمين أجواء تجمع بن الأحزان لفجيعة العائلات المصرية المسيحية المسالمة التي ذهبت لتصلي ففقدت نساءها وأطفالها، وبين ضرورات اليقظة وشحذ الهمة الوطنية لمواجهة هذا الخطر. تبين أن السبب في إلحاق الأذى بالنساء والأطفال أن الإرهابي الذي نفذ الجريمة تسلل من الباب المؤدي إلى مكان جلوس السيدات وأطفالهن، فجاءت معظم الإصابات والوفيات بينهن. هذه طبعاً وخزة دبوس في القاهرة إذا قسناها بأوجاع حلب والموصل. لكن سيبقى السؤال الذي يسأله الكثيرون معلقاً، وهو: لماذا تتمتع إسرائيل وحدها في محيطها الجغرافي بالأمن من إرهاب «داعش» وأخواتها؟