القرآن الكريم هو كتاب الله عز وجل، وهو المعجزة العظمى، والحجة الباقية على وجه الأرض، هو جامعة المسلمين الكبرى ومنبع معارفهم وعلومهم وفلسفاتهم وأفكارهم وثقافتهم.. وهو سر بقاء اللغة العربية ومصدر قوتها وحيويتها، وهو باتفاق جميع علماء المسلمين هداية الخالق لإصلاح الخلق وشريعة السماء إلى أهل الأرض، والتشريع الذي تكفَّل بما يحتاج إليه الإنسان في أمور دينه ودنياه.. هو شفاء للروح ودواء لأمراض النفس البشرية. وقارئ القرآن إذا أقبل عليه، تلاوةً وفهماً وتطبيقاً، كان قريباً من الله عز وجل، قريباً من المعاني التي أرادها تعالى للإنسان في هذه الدنيا. يقول الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه «شريعة القرآن»، إن مجموع الأحكام التي اشتمل عليها القرآن، في تنظيم الجماعة الإسلامية وإقامة بنيانها، تتجه إلى تكوين نظام عام تُحمى فيه الأنفس والدماء والأعراض والعقول والأموال، ويكون للجماعة سياج قوي من الفضيلة والأخلاق الكريمة، لإيجاد مجتمع يجسد مثالاً صالحاً يُحتذى به في المعاملات الإنسانية، وتقوم علاقته بغيره على أساس من التعارف والتعايش والتسامح الإنساني وتكريم الإنسانية في كل إنسان. ثم يتابع أبو زهرة موضحاً ذلك بقوله: «إن نظام القرآن العام يقرر تلك الكرامة الإنسانية ليكون التآخي العام في ظل الفضيلة الحاكمة». ويتبين أن الإسلام، ومن منطلق أحكام القرآن، دعا إلى حماية الحريات العامة والخاصة، ووضع لها الأصول، وقد سبق إلى ذلك كل الشرائع الأخرى، لكنه قيَّد الحرية بضوابط في إطار البناء والفضيلة وليس في مسار الهدم والتخريب. كما وضع شروطاً أخلاقية وأكد أن مَن أهدر حرية الإنسان فقد أهدر الإنسانية كلها. ومن هذا المنطلق نجد أن الإسلام أعطى لغير المسلمين الذين يعيشون في البلاد الإسلامية حق التمتع بحريتهم الدينية كاملة، واستطاعت عدالة الإسلام أن تنتصر لغير المسلمين وأن تعاقب مَن يعتدي على حريتهم. هذه العدالة المثالية التي وفَّرها الإسلام جعلت غير المسلمين يقولون صراحةً إنهم لم يجدوها في الأمم والدول التي تدين بدينهم، بل جعلت بعضهم يتهافتون على دخول الإسلام، لذلك كان الخليفة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، حريصاً كل الحرص على معاملة «أهل الذمة» بالرفق، وكان يعزل الولاة الذين لا يتعاملون مع غير المسلمين بالرفق. إن سبب ما نعانيه اليوم في ديار الإسلام من ضعف وهزيمة حضارية، يعود في الأساس إلى الهزيمة الروحية، حيث ابتعد كثير من المسلمين عن حقيقة الإسلام كما جاء بها القرآن وعن فهم روح وجوهر رسالة الإسلام كرسالة إنسانية وربانية ترمي إلى إقامة السلام والتعايش والتسامح والمحبة والفضيلة، وأيضاً كرسالة أخلاقية، لأننا حجبنا عقولنا وأغمضنا عيوننا عن فهم روح الإسلام وما دعا إليه القرآن من خير وفضيلة. لذا كان من الطبيعي أن تغرق الأمة في خلافاتها الداخلية وأن تتفرق إلى طوائف وأحزاب وجماعات وفصائل وحركات متباينة متناحرة يقتل بعضها بعضاً.