نشرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية تقريراً بعنوان «خريطة الدول التي يمكن أن تُقتل فيها لكونك ملحداً»، وزجت باسم دولة الإمارات ضمن مجموعة دول عربية وإسلامية تفرض عقوبة الإعدام على الملحدين، وهو الأمر الذي لا يمت للحقيقة بأية صلة، يعني مجرد كلام فارغ. ويبدو أن كاتب التقرير قد التبس عليه الأمر، فقد استند في كلامه إلى أن «الردّة» من جرائم الحدود بحسب الشرع الإسلامي، ولمّا كانت المادة (1) من قانون العقوبات الإماراتي تنص على أنه «تسري في شأن جرائم الحدود والقصاص والدية أحكام الشريعة الإسلامية..»، فقد استنتج من رأسه أن الردّة (الإلحاد وفق التقرير) معاقب عليها في الإمارات بالقتل (الإعدام). ومن المعروف أن جرائم الحدود سبع جرائم لا غير: الزنا، والقذف، وشرب الخمر، والسرقة، والحرابة، والردّة، والبغي. وقانون العقوبات الإماراتي حين نص على سريان أحكام الشريعة بشأن جرائم الحدود، فقد أضاف في النص نفسه عبارة «وتحدد الجرائم والعقوبات التعزيرية وفق أحكام هذا القانون والقوانين العقابية الأخرى». هذا الاستدراك في نص المادة رقم (1) يعني أن القانون هو الذي يحدد ما يعد فعله أو تركه جريمة، وهو الأمر الذي يتوافق تماماً مع المادة (27) من الدستور الإماراتي والتي تنص على أنه «يحدد القانون الجرائم والعقوبات»، وليس في القوانين الإماراتية أي تجريم بعنوان الإلحاد، والقواعد العامة تقضي بأنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص»، ومن ثم فإن ما جاء في التقرير بشأن الإمارات محض مزاعم كاذبة. وبطريقة أخرى، ثمة جرائم حدود في الشريعة وهي في الوقت نفسه جرائم في القوانين الإماراتية، بمعنى أن الفعل المكوّن للجريمة واحد، كالسرقة التي تعد من جرائم الحدود، وهي أيضاً جريمة في القانون، فإذا توافرت في واقعة سرقة أركان جريمة السرقة وفق الشريعة الإسلامية، قضي فيها بالعقوبة الشرعية المحددة لها، أما إذا لم تتوافر فيها تلك الأركان، أو كانت ثمة شبهة تدرأ حدّ السرقة، كُيّفت الواقعة باعتبارها جريمة سرقة وفق القانون، وحُكم فيها بالعقوبة المقررة قانوناً. وفيما عدا حدّ الردة، تعد بقية الحدود الشرعية جرائم قانونية في الوقت نفسه، فحدّ الزنا يدخل ضمن جرائم العرض في قانون العقوبات، وحدّ القذف يدخل ضمن الجرائم الواقعة على السمعة، وحدّ شرب الخمر يدخل ضمن الجرائم الماسة بالعقائد والشعائر الدينية، وحدّ السرقة يدخل ضمن الجرائم الواقعة على المال، وحدّ الحرابة يدخل ضمن الجرائم ذات الخطر العام، وكذلك ضمن الجرائم الواقعة على الأشخاص والممتلكات، وحدّ البغي يدخل ضمن الجرائم الماسة بأمن الدولة، وكذلك ضمن قانون مكافحة الجرائم الإرهابية. والقوانين في الإمارات تعاقب بطبيعة الحال من يتطاول على الذات الإلهية، أو يمس بأحد الأنبياء أو الرسل، أو يسيء إلى المقدسات أو الأسس الإسلامية، أو يسب الأديان السماوية، أو يبشر بغير الدين الإسلامي، لكن عقوبات هذه الجرائم لا تتعدى تقييد الحرية أو الغرامة المالية، والإبعاد عن البلاد إذا كان الجاني أجنبياً، وليس ثمة في القوانين الإماراتية عقوبة الإعدام لمن يلحد كما زعم التقرير.