صحيح أن «حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي» أعاد الأسبوع الماضي انتخاب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل لتكون زعيمته بنسبة 89.5?. لكن الحزب يعاني نوعاً من أزمة الهوية، وبعض سياسييه الإقليميين. وقد أصبح بعض أعضاء حزب ميركل من المحافظين التقليديين ينظرون إليها باعتبارها شديدة اليسارية، بعد التوافقات التي أبرمتها مع «الحزب الديمقراطي الاشتراكي»، شريكها في الائتلاف الحاكم، وخاصة بعد فتح أبواب ألمانيا أمام اللاجئين. ويشرح هذا الوضع «مالته كاوفمان»، الزعيم المحلي السابق لحزب ميركل في ولاية بادن فيرتيمبيرج، والذي انضم إلى حزب البديل مؤخراً: «لا يمكنني مشاركة الحزب نهجه في موضوعات كثيرة للغاية، وخاصة سياسته تجاه الأسرة وإنقاذ اليورو والطاقة واللاجئين. لكن في قضايا أخرى مهمة لا أرى أي اختلاف بين الحزب وأحزاب اليسار». ورغم هذا، مازالت ميركل تحظى داخل الحزب بنسبة تأييد كبيرة. وبعد تصفيق حار عقب كلمتها في مؤتمر الحزب بمدينة إيسن الأسبوع الماضي، يتعين عليها التوصل إلى توافقات جديدة. فألمانيا ليست جمهورية رئاسية، ولذا يتعين على الحزب ككل، وليس ميركل فقط، الفوز بالانتخابات. وقد اختارت ميركل في مدينة إيسن أيسر الحلول الوسط لتعلن، وسط تصفيق حار، أن «تغطية الوجه بالكامل ليست ملائمة هنا ويتعين حظرها.. فهي لا تنتمي إلينا». وظاهرياً فإن هذا مغر للتقليديين من أنصار الحزب. أما عملياً فلا معنى لهذا لأن النساء اللائي يرتدين البرقع نادراً ما يراهم المرء في ألمانيا، كما أن تغطية الوجه محظورة أصلا في مناطق كثيرة. واستغلال خطاب حظر البرقع يمثل حيلة سياسية جيدة، لكن أعضاء حزب ميركل لن ينطلي عليهم هذا. ففي المؤتمر ذاته صوت أعضاء الحزب لصالح حملة ضد توافق آخر توصلت إليه ميركل مع شركائها اليساريين في الائتلاف، وهو قرار تمت الموافقة عليه قبل عامين يسمح لأطفال المهاجرين بالاحتفاظ بجنسية مزدوجة وليس الاختيار بين جواز سفر ألماني أو أجنبي حين يبلغوا سن الرشد. وسعى جناح الشباب المحافظين من حزب ميركل إلى إبطال وضعية الجنسية المزدوجة، وجادلوا بالقول إن الوضع مختلف عما كان عليه قبل عامين بعد وصول مليون أجنبي إلى ألمانيا. لكن هذا غير ملائم لميركل ويجعل من الصعب عليها تشكيل ائتلاف مع أي حزب يساري، سواء أكان الديمقراطي الاشتراكي أم الخضر. وتعلم ميركل أن حزبها إذا فاز بأغلبية، كما ترجح استطلاعات الرأي الآن، فإنها ستحكم من خلال ائتلاف مرة أخرى. ومعدلات التأييد للحزب انخفضت عما كانت عليه في انتخابات 2013. لكن يمكن إعادة التفاوض بعد الانتخابات. والآن، فهذا يفيد ميركل في الالتزام بقرار الحزب أكثر مما يسمح بتفتيت جبهة الحزب. وميركل محافظة وليست ليبرالية. والمحافظون الألمان يقفون إلى يسار المحافظين الأميركيين لكن هذا لا يجعل ميركل يسارية. إن مَن يعتبرون ميركل أيقونة ليبرالية جديدة سيشعرون بالدهشة حين يشهدوا حملتها لعام 2017. وعليهم ألا يندهشوا لأن ميركل لم تجنح يساراً قط إلا لسببين وهما التوصل إلى توافقات، وإخراج قضايا مثل اللاجئين وسياسة الطاقة من حومة المشاعر القوية. وميركل سياسية شديدة البراجماتية قادرة على الصمود والخروج من الأزمات، ولذا فإنها ستفعل كل ما بوسعها لإبقاء الاتحاد الديمقراطي المسيحي موحداً وذا حضور كبير. والعام المقبل يعني العودة على نحو ما إلى جذور الحزب. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»