على غرار الرئيس المنتخب دونالد ترامب، كنا قد عارضنا الاتفاق النووي الإيراني بشدة، ولذلك، فإننا نتعاطف مع وعده بـ«تفكيك» الاتفاق، ولكننا نأمل أيضاً أن يحاول هو وإدارته أولاً تطبيقه بحزم، ثم إعادة التفاوض حوله خارج نطاق الموضوع النووي حتى يصبح اتفاقاً أفضل لنا وللعالم. ولكن قبل أن تبدأ عملية إعادة التفاوض هذه، يمكن لإدارة ترامب أن تقوّي موقفها عبر التشاور بشكل وثيق مع حلفائنا في المنطقة، إذ كانوا غائبين عن المجموعة التي قامت بتطوير واعتماد «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وهو الاسم الرسمي للاتفاق. وقد مثّل ذلك خطأ لسببين رئيسين: لأن بعض بلدان المنطقة هي حلفاؤنا وإيران ليست كذلك، ولأن بلدان المنطقة أيضاً هي المعنية الأولى والمباشرة بنتائج الاتفاق، وينبغي أن تكون لها كلمة تقولها في هذا الخصوص. وحتى الآن، ما فتئ النظام الإيراني يؤكد على ألا نية لديه في الوفاء بنص الاتفاق أو روحه. ذلك أن نسق سلوك إيران المتهور تسارع خلال العام الماضي، وخطابها المناوئ للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ازداد قوة، وأعمالها باتت تنسجم مع خطابها. ففي الشهر الماضي، اتهمت 11 دولة عربية إيران علانية أمام الأمم المتحدة بالتدخل في شؤونها الداخلية. وفي شهر يونيو، صنفت وزارة الخارجية الأميركية إيران من جديد كأول دولة راعية للإرهاب في العالم. وفي هذه الأثناء، يرى الشعب الأميركي بوضوح ما يحدث. فوفق استطلاع أجرته منظمة «متحدون ضد إيران نووية» مؤخراً، فإن أغلبية كبيرة من الناخبين الأميركيين المسجلين تنظر إلى إيران باعتبارها أكبر تهديد - صادر عن دولة - يواجه الولايات المتحدة، قبل كوريا الشمالية وروسيا والصين. ولا يفوقها خطراً، وفق هذا الاستطلاع، سوى «داعش» و«القاعدة». ولكن مع زعامة الولايات المتحدة، يستطيع الائتلاف الجديد معالجة الجوانب التي أُهملت في «خطة العمل الشاملة المشتركة» من خلال تأمين اتفاق مع إيران، مثلاً، يكبح اعتداءاتها الإقليمية، ورعايتها للإرهاب، وقمعها الداخلي لحقوق الإنسان، وذلك على نحو يمكن التحقق منه. وفي المقابل، يمكن منح إيران رفعاً شاملاً للعقوبات، بل وحتى تطبيعاً في العلاقات. أما إذا رفضت إيران ذلك، فسيكون لدى الولايات المتحدة وحلفائنا قدر كبير من التأثير لتحميل طهران المسؤولية بمقتضى الاتفاق الحالي. ذلك أن إيران تجاوزت مرتين الحد الأقصى المسموح لها بخصوص الماء الثقيل، وأجرت عدة اختبارات لصواريخ باليستية في تحدٍّ لقرار الأمم المتحدة رقم 2231، الذي يدعم الاتفاق النووي، وتُواصل، وفق تقديرات أجهزة الاستخبارات الألمانية، «أنشطتها المحظورة المهددة للانتشار النووي»... بـ«مستوى عالٍ كمياً». وفي المقابل، التزمت الولايات المتحدة وشركاؤها التزاماً كاملاً بنص الاتفاق، وينبغي أن يطالبوا إيران بالمثل. كما يمكن لإدارة ترامب أن تصنّف جهاز «الحرس الثوري» الإيراني برمته منظمةً إرهابيةً أجنبيةً. وحتى الآن، فإن «فليق القدس» التابع للجهاز هو الوحيد الذي يصَنّف كذلك من قبل وزارة الخزانة الأميركية. وإذا تمت هذه الخطوة على النحو الصحيح، فإنه يمكنها أن تجمّد الاستثمار الخارجي في إيران بسبب انتشار «الحرس الثوري» في الاقتصاد الإيراني من خلال شركاته. كما يستطيع ترامب أيضاً دعم تشريع في مجلس الشيوخ يعاقب قطاعات من الاقتصاد الإيراني تدعم برنامج صواريخ إيران النووية، ويمكنه كذلك اقتراح تدابير لتقييد وصول طهران إلى الدولارات الأميركية. ومن أجل إقناع إيران بالالتزام بكل من نص الاتفاق وروحه، مثلما قال دنيس روس والجنرال المتقاعد ديفيد بترايوس، فإن تعزيز الردع سيكون مهماً للغاية. وفي هذا الصدد، فإن إصدار «بيان حول عواقب» استمرار التعنت الإيراني -حتى من خلال ترخيص باستعمال القوة العسكرية في أسوأ الحالات وأكثرها خطورة- قد يغيّر حسابات المرشد الأعلى الإيراني. أما إذا لم تغيّر إيران سلوكها، فإنه ينبغي على الرئيس المنتخب أن يؤكد أنه مستعد لفرض حزمة جديدة من العقوبات الثانوية الشاملة ضدها، ثم الانسحاب، لسبب مبرر، من «خطة العمل الشاملة المشتركة». وحينئذ، سيكون الوقت قد حان لتمزيق هذا الاتفاق، مثلما قال الرئيس المنتخب. ومثل هذه الاستراتيجية القائمة على التدرج ستظهر أن الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع إيران، ولكنها ستؤكد أيضاً أنه ستكون ثمة عواقب بالنسبة للإيرانيين إذا لم يتم التوصل لأي اتفاق دبلوماسي. ووفق أفضل السيناريوهات الممكنة، فإن هذه المقاربة يمكن أن تؤدي إلى تحول جذري في سلوك إيران، أما في أسوؤها، فإنها ستعيد كتابة الاتفاق النووي الحالي وتحيل إلى التاريخ فترةً قامت فيها القوى العظمى بإضفاء الشرعية على برنامج إيران النووي المارق من دون أن تطلب من النظام الإيراني تغيير طرقه المتشددة والإرهابية والقمعية والتوسعية. ---------------- * جوزيف ليبرمان سيناتور أميركي سابق ورئيس منظمة «متحدون ضد إيران نووية» ** مارك والس سفير أميركي سابق لدى الأمم المتحدة لشؤون الإدارة والإصلاح، والمدير التنفيذي لـ«متحدون ضد إيران نووية» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»