ألم يتعب العالم من أخبار القتل التي تأتي كل صباح، وكأنها بند ثابت مع طبق الفطور؟ ألم ترتوي الأرض بعد من دماء أهالي حلب ومن دماء أهالي سورية ومن هذا القتل المجاني الذي لا يأتي إلا للمسلمين؟! ولا أقبح من أصحاب المبادئ حين يغضون الطرف عن موت الأبرياء لأنهم فقط مسلمون. فالمناضلة البورمية التي قدسها الغرب، وتحولت إلى أيقونة للنضال ضد الديكتاتورية «أونج سان سوكي»، لم تحرك ساكناً عندما يوغل رهبانها في الدم البورمي، وكان الأبرياء لهم مقاييس غير التي يعرفها البشر كل البشر، ولا أشرف من أصحاب المبادئ يدافعون عن الأبرياء، وإن خالفوهم في اللون والمعتقد حين يدافعون عنهم، ويقولون إن الدماء كلها حرام والجريمة واحدة. إن «الإنسانية لا تتجزأ»، ولا يمكن أبداً أن تكون حمّالة أوجه، إنها حالة واحدة بسيطة وحاسمة. البريء لا يموت ولا يقتل ولا يعتدي على حريته، وكل ما عدا ذلك جريمة لا يمكن إن تسمى بغير اسمها. فالازدواجية في القياس وفي معايير البشر جعلت من الجريمة خطراً متعدد الأسماء، وصنعت كراهية، وبغضا مازال ينمو بعقل أفكار مجرمة. فلماذا يقتل الرجل الأسود في شوارع أميركا، لأن هناك اعتقاداً سابقاً بأن كل أسود مجرم بالضرورة، وكل مسلم إرهابي بالضرورة، وأي قتل لغير هؤلاء يمكن النظر فيه، وتُقاس الأمور فيه حسب من هو صاحب القضية. ولعل لغة الدفاع والتبرير التي يسوقها اليوم أصحاب القيم المزدوجة جعلت منهم وحوشاً بشكل آدمي، وإلا من لديه الحق في أن يدّعي أن ما يحدث في سورية وبخاصة في حلب ليس جريمة حرب؟ وليست قتل لأبرياء لا يملكون ما يدافعون به عن أنفسهم! الذي يرفض «داعش» عليه أن يرفض جرائمه، وما جاء به، فالمسلمون اليوم هم أول ضحايا «داعش»، ولكن هل يوجد «داعش» في بورما لدى الروهينجا الذين يقتلون ويحرقون ويبادون بلا أي مبرر أو سبب؟ هذه الدماء التي تراق هناك سببها الكراهية، حيت تتوجه لبشر بسبب ديانتهم. فنوبل للسلام التي منحت لمناحم بيجن الذي ارتكب مذبحة «دير ياسين» التي راح ضحيتها أبرياء وأصحاب أرض، ومُنحت أيضاً لأونج سان سوكي، التي تمارس صمتاً وتأييداً لقتل المئات يومياً من شعبها البورمي فقط لأنهم مسلمون. مخزي هذا الصمت وغض الطرف عن كمية الدماء المسكوبة على أرض البشر، وكأن لا أحد يعنيه موت إنسان برئ في أقصى الأرض! لا بد أن أحداً معنيٌ بكل هذه الجرائم، وأن التاريخ يراقب هذه الازدواجية، وهذه التصنيفات للبشر، ولا بد أن يأتي يوم، ويدفع المجرم ثمن جرائمه، فلعنة الدم البريء تلاحق القاتل حتى بعد موته! لحلب وبورما ولفلسطين حق الحياة بمطلقها دون اشتراطات ودون طائرات ودون أكاذيب، حق حياة وفقط، وعلى العالم أن يستجيب مرغماً، فهو حق لم يمنحه أحد لأحد. أماني محمد العمران* *كاتبة إماراتية