قرار أولاند الصعب.. ومهمة فالس «المستحيلة»! ليبراسيون في سياق ردود الفعل المتواصلة حتى الآن على قرار الرئيس فرانسوا أولاند عدم الترشح لولاية رئاسية ثانية، نشر الكاتب «آلان ديهامل» مقالاً تحليلياً في صحيفة ليبراسيون، تحت عنوان: «تدنيس الرئاسة»، قال فيه إن عزوف أولاند عن الترشح يعد، من دون شك، حدثاً غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الخامسة، ولكنه أيضاً قرار قابل للفهم في سياق منطق عام من حالة الانحسار والتراجع لصورة هذه الوظيفة نفسها وما بات يكتنفها: صعوبة الحصول على فترة رئاسية ثانية في زمن تفرض فيه الظروف على الرئيس المساكنة السياسية مع منافسيه السياسيين. ولعل أول ما يمكن قوله في السياق السياسي الفرنسي هو أنه لم يعد هنالك رئيس عادي ذو نفوذ وقوة كما كان عليه الحال في أزمنة ماضية، تماماً مثلما أن الرئاسة نفسها لم تعد أيضاً بكل تلك القوة، ولم تعد يوميات ساكن قصر الأليزيه كلها أوقاتاً سعيدة. ولذلك رأينا أولاند وهو يتجرّع مرارة الإعلان عن انسحابه الطوعي من السباق الرئاسي في العام المقبل، مكتفياً بولاية رئاسية واحدة. وهو في هذا غير مختار بكل تأكيد، وإن كان اتخذ قرار الانسحاب أيضاً في الوقت الملائم، وعبّر عنه بالطريقة المناسبة. ولعل القبول بتجرع هذا الإذلال المشرّف يكون فيه أيضاً نوع من الإنقاذ لصورة الرئاسة الجريحة. والحال أن رئيسين سابقين في عهد الجمهورية الخامسة، هما فاليري جيسكار ديستان ونيكولا ساركوزي، قد أخفقا في الفوز بفترة رئاسية ثانية، وقد اعتبر هذا في حينه مؤشراً على بداية ضعف المؤسسة الرئاسية، في حد ذاتها. ولذلك كان سيتعين على أولاند خوض حملة انتخابات تمهيدية غير مريحة داخل حزبه الاشتراكي وأسرته السياسية اليسارية، ومن موقع رئيس الجمهورية كان الدخول في صراع داخلي كهذا مع أفراد معسكره سيكون أمراً غير مريح وغير مضمون العواقب، وخاصة بالنظر إلى هشاشة موقف الرئيس في صفوف رفاق دربه السياسي، ولذلك كان الاحتمال الأسوأ مطروحاً بقوة، وهو أن يلفظه محازبوه، ويتخلوا عنه في النهاية. وكل هذا إضافة إلى كونه يشكل سابقة في عهد الجمهورية الخامسة، يمثل أيضاً مؤشراً على بداية قوية للجهاز التنفيذي على حساب مؤسسة الرئاسة، وهو ما يعني أن شرف وهيبة الرئاسة باتت اليوم عرضة للتحجيم و«التدنيس»! ومنذ بداية الجمهورية الخامسة في فرنسا سنة 1958 لم يكن منصب رئاسة الجمهورية موقعاً مفتاحياً لكل المنظومة الدستورية، وإنما ظل أيضاً هو منصب الارتكاز الأكثر قوة ونفوذاً في الحياة السياسية ككل. فالرئيس في الجمهورية الخامسة الفرنسية يمسك بيديه من السلطات والصلاحيات ما لا مثيل له في أي نظام حكم ديمقراطي آخر في العالم. وهذه خصوصية سياسية فرنسية، أخذت تترنح الآن، وهي برسم التقلص مع مرور الوقت. فالمواطنون الفرنسيون يتمسكون بممارسة كل ما يتيحه لهم النظام الديمقراطي من وسائل لاختيار رئيسهم، بقدر تمسكهم بما يتيحه هذا النظام لهم أيضاً لإسقاطه. ومع تعاظم أهمية الانتخابات التمهيدية على مستوى الأحزاب بات المواطنون يمارسون أيضاً تأثيراً متعاظماً حتى في اختيار المرشحين. وقد صار اختيار الرؤساء وفق هذه الآليات المتعددة والمعقدة لحظة حاسمة تتكرر كل خمس سنوات. وها هو منصب الرئيس الفرنسي، الذي كان بمثابة ملك غير متوج، يجد نفسه تحت قبضة الديمقراطية الشعبية، وبحسب ما يكون عليه المزاج الشعبي من حال. وزادت الموقف الرئاسي والسياسي تعقيداً ظاهرة المساكنة السياسية شبه الإجبارية، إذ منذ عهد الرئيس الأسبق جورج بومبيدو بات كل رئيس فرنسي مضطراً لقبول هذه المساكنة مع منافسيه السياسيين، من قبيل تلك التي جمعت ميتران مع شيراك مثلاً، ولذا فلا خيار آخر أمام الرئيس سوى التكيف مع هذا الاقتطاع من سلطته الرئاسية وقبول المشاركة مع غيره، وإلا فالبديل هو عدم الفوز بولاية رئاسية ثانية كحال ديستان وساركوزي، أو الاضطرار للتخلي عن الترشح لفترة رئاسية ثانية كما هو حال أولاند اليوم. وفي الأخير قال الكاتب إن المزاج العام للفرنسيين يميل عادة إلى اختيار رئيس جمهورية كل خمس سنوات، وتعليق كل آمالهم وتطلعاتهم عليه، ومن ثم الانقلاب عليه وإسقاطه بتصويت عقابي أو بسحب التأييد لتدخل شعبيته في حالة سقوط حر، على نحو يدفعه للخروج من السباق مبكراً، وعدم الترشح مرة ثانية. وهذا المزاج الثوري هو ما يسكن الفرنسيين، فهم إما ملكيون يريدون تصفية الملك، أو بونابرتيون منتفضون ضد الإمبراطور. لوفيغارو وفي سياق متصل أيضاً بمآزق الحزب الاشتراكي الراهنة، عنون الكاتب اليميني إيفان ريوفول عموده، يوم الخميس، بصحيفة لوفيغارو: «بؤس ثقافي كبير لليسار»، قال فيه إن مفارقة التوحيد والاستبعاد، هي ما ينتظر رئيس الوزراء مانويل فالس، إن كان يريد بناء مشروع سياسي واعٍ لقيادة اليسار المحدَّث بعد استحقاق 2017 الرئاسي. فإعلان أولاند عن عدم الترشح مثل في الواقع إعلاناً رسمياً عن إخفاق استراتيجيته في «التركيب»، التي تعني ترك كل الأكوام والمتنافرات تتعفن في النهاية. وهذا الانسداد في الأفق أمام تيار «الوسط» يفرض نفسه على فالس، الذي أعلن يوم الاثنين الماضي دخوله السباق إلى قصر الأليزيه، مقدماً في يوم الثلاثاء استقالته من رئاسة الحكومة. والحال أن اليسار الهرم، المعادي لليبرالية، وما بعد الماركسي، يبقى هو حجر الرحى في المشهد الاشتراكي. فعندما تطلع سيغولين رويال في كوبا في مراسم تشييع جثمان فيدل كاسترو وهي تدافع باسم فرنسا عن الديكتاتورية الكاستروية، معلنة أن حقوق الإنسان كانت محل احترام، فهي تُظهر بذلك كيف أن نزعات الإيديولوجيا وأساطيرها تذهبان بالعقول في بعض الأحيان. والسؤال: في هذا العالم المعتاد على التفكير المغلوط، هل سيكون في مقدور فالس التحلي بالصدق مع الذات ومع الغير؟ ومع ذلك اعتبر الكاتب أن ثمة ملمحاً من أساليب ساركوزي في داخل فالس ذي القناعات المرنة، أو حتى الملتوية. ومع حديث فالس عن وجود يسارين غير قابلين للمصالحة، فقد راح مع ذلك يدعو للمصالحة، وهو بهذا يجازف بأن يظهر في موقف محترفٍ للسياسة، بمعناها الساخر بطبيعة الحال. وفي يوم الاثنين عند إعلان ترشحه لم يتردد فالس في ترداد عبارات من قبيل التحذير من تهديد الإسلام السياسي للتعايش الوطني، ولكنه أيضاً ظل يضع عينيه بحرص على الناخبين المسلمين. وفي الأخير قال الكاتب إن فالس إن كان يعتقد أنه يستطيع التغلب على اليمين، وهزيمة مرشحه فرانسوا فيون استناداً إلى مقولات من أيام الثمانينيات من القرن الماضي، فهو بذلك ينخرط في رهان غير رابح. لوموند نشرت صحيفة لوموند، يوم أمس السبت، افتتاحية بعنوان: «هشاشة كوريا الجنوبية» قالت في مستهلها إن سيئول التي تجد نفسها على الدوام في عين عاصفة من التحديات الإقليمية تجد نفسها الآن، أكثر من أي وقت مضى، في حاجة إلى الاستقرار السياسي، بعد عزل الرئيسة «بارك جون هي» من طرف البرلمان. وفي تعبير عن دقة اللحظة نقلت الصحيفة عن رئيس الوزراء الكوري الجنوبي «هوانج كيو- هن» جملة وردت في خطابه يوم الجمعة الماضي بعد عزل الرئيسة بارك، حيث قال مخاطباً مواطنيه: «أيها الكوريون الجنوبيون الأعزاء، إن العالم كله ينظر إلينا الآن. من فضلكم، وحّدوا صفوفكم لمواجهة التحديات التي تنتظرنا، في بلادنا وفي الخارج». وقد بات رئيس الوزراء، غير المنتخب، يمسك صلاحيات رئيس الدولة. وهو مدعٍ عام سابق، 59 سنة، ويعرف عنه تخصصه في المسألة الأمنية، ولهذا يدعو الآن للتهدئة وتقليص حجم الفوضى السياسية، نظراً لحاجة كوريا الجنوبية لذلك على الصعيدين الداخلي والخارجي معاً. وعلى الصعيد الاقتصادي ما زال رابع اقتصاد في آسيا واقعاً تحت صدمة قضية الفساد غير المسبوقة التي أدت إلى عزل الرئيسة الآن بسنة قبل انتهاء مأموريتها الرئاسية. تماماً مثلما أن مساعي التقارب مع الصين ما زالت هي أيضاً لم تدرك نجاحاً أو تحقق ما كان مأمولاً منها في سيئول. وفضلاً عن هذا فقد تفاقمت أيضاً وتيرة التصعيد مؤخراً من قبل كوريا الشمالية، وقد زاد إصرار زعيمها على تطوير ترسانته النووية، كما كثف من التجارب الصاروخية في الفترة الأخيرة. ووسط حالة اقتصادية صعبة، وتحديات خارجية هائلة، لا يملك الكوريون الجنوبيون ترف الاستغراق كثيراً في صراعات سياسية وحزبية داخلية، يمكن أن يكون لها من الانعكاسات السلبية على بلادهم ما هم في غنى عنه بشكل كبير. إعداد: حسن ولد المختار