عندما يتقلد دونالد ترامب منصبه رئيساً للولايات المتحدة الشهر المقبل، سيجد نفسه مضطراً للتعامل مع حرب طويلة الأمد تهدد بالتحول إلى حرب دائمة مستعصية. وكان جورج بوش الابن هو الذي أطلقها في 11 سبتمبر 2001، وهو الذي أطلق عليها اسم «الحرب ضد الإرهاب»، وحاول أوباما إنهاءها ولكنه فشل، وقال خلال خطابه الأخير حول الوضع الأمني يوم الاثنين الماضي محذراً: «لا يمكن للديمقراطية أن تعمل في دولة تخوض حرباً معلنة رسمياً». واستناداً إلى هذا المفهوم، عرض لسلسلة من المبادئ التي يعتقد أن من شأنها أن تمثل الدليل المرشد للأميركيين في مكافحة الإرهاب. ويمكن القول أن معظم تلك المبادئ منطقية، ومنها: الحفاظ على الشروط القانونية للحرب، وتوقع التعرض للتهديدات، واعتبار ضربات الطائرات من دون طيار «الدرونز» الخيار الأسوأ لطرد الإرهابيين من ميادين المعارك، كما أشار إلى مجموعة من الخيارات المشابهة الأخرى. ولكن، عندما يتعلق الأمر بمحاولة فهم الأهداف التي يسعى إليها العدو، فإن أوباما ارتكب ذات الخطأ الذي ارتكبه سلفه حين قال أيضاً هذا الأسبوع: «إن الهدف الأساسي الذي يسعى إليه هؤلاء الإرهابيون هو زرع الخوف في نفوسنا من خلال تغيير طبيعة انتمائنا وديمقراطيتنا». وهذا الكلام يتطابق تماماً مع ما سبق أن قاله جورج بوش الابن: «إنهم يكرهوننا لأننا نؤمن بالحرية». وحول هذه النقطة بالذات، يبدو أن لترامب رأي آخر، حيث يرى أن الحقيقة لا تكمن في أن عناصر «داعش» و«القاعدة» لا يكرهوننا بسبب حريتنا، وأن هدفهم ليس استثارة ردود أفعالنا المبالغ فيها حتى تتوقف أميركا عن ممارسة حريتها، بل إن الأمر أبعد من هذا وذاك لأن هذه الجماعات تريد إرغام العالم غير الإسلامي الذي تطلق عليه «دار الحرب»، على اعتناق الشريعة الإسلامية. ونفهم من هذا أن الإرهابيين هم جماعة تبحث عن إعادة عهد الفتوحات والغزوات. ونحن نعلم أن ترامب لا يعرف الكثير عن إدارة السياسة الخارجية، ولكنه يتفهّم هذا مثلما يتفهمه أوباما وبوش الابن. وهما اللذان حاولا وضع تعريف لعدوهم في هذه الحرب الطويلة بأنه «بعيد كل البعد عن الإسلام» ويتألف من مجموعة مشعوذين أساؤوا لدين عظيم. وهذه استراتيجية ذكية لأن أغلبية المسلمين الذين يفهمون تعاليم دينهم حق فهمها يعارضون الإرهاب. وعلينا أن نشير أيضاً إلى أن دولاً إسلامية مثل المملكة العربية السعودية تعتبر من الحلفاء الأساسيين في الحرب ضد الإرهاب، وخاصة خلال السنوات الأخيرة. ويمكن القول إن الرغبة في تضييق تعريف العدو، ساهمت في زيادة المخاطر المترتبة على هذه الحرب الدائمة. وكان يتوجب على أوباما أن يفهم هذا. وعندما أعطى أوامره بتنفيذ الغارة التي أدت إلى مقتل رأس الأفعى أسامة بن لادن (2 مايو 2011)، حاول الإيحاء للأميركيين بأن أخطار الحرب الطويلة تراجعت. وها هو الآن على وشك مغادرة البيت الأبيض في الوقت الذي تقاتل فيه القوات الأميركية الفصائل التابعة لتنظيم القاعدة أو المتعاطفين معه في دول شتى من العالم الإسلامي. وبالطبع، هناك أيضاً خطر كامن في المبالغة بالتركيز على الجانب الأيديولوجي. وإذا لم يتحلَّ ترامب بالحرص في طريقة تعريفه للمخاطر الإرهابية، فسوف ينفّر الحلفاء الذين سيحتاجهم في حربه على الإرهابيين. ويحظى ترامب الآن بعدة فرص. ويمكنه مثلاً أن يوضح للعالم بأن أميركا ستكون ملاذاً آمناً لكل إنسان من العالم الإسلامي يواجه الخطر من الراديكاليين إن كان من العلمانيين أو أي أقلية دينية أخرى كأقباط مصر. ويمكن لترامب أن يقوي تحالف الولايات المتحدة مع قادة مثل ولي عهد أبوظبي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الذي دعا لبناء قوة فاعلة واحترافية لمكافحة الإرهاب في المنطقة. ويمكن لترامب أن يستخدم أيضاً النفوذ الأميركي في العراق وأفغانستان لدعم السياسيين العلمانيين والإصلاحيين بدلاً من محاباة الأحزاب الطائفية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»