استضافت العاصمة أبوظبي، المؤتمر الدولي «الحفاظ على التراث الثقافي المهدد بالخطر» يومي 2 و3 ديسمبر 2016. نظمت المؤتمر حكومتا دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية فرنسا برعاية منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة «اليونسكو». واختتم أعماله بـ«إعلان أبوظبي»، الذي تضمن تأسيس صندوق عالمي بقيمة 100 مليون دولار لحماية التراث الثقافي وإنشاء شبكة دولية للملاذات الآمنة لحماية الممتلكات الثقافية المهددة بالخطر في فترات النزاع المسلح ومكافحة الاتجار غير المشروع بالآثار والتحف الفنية والثقافية. تبنى المشاركون من 40 دولة وثيقة «إعلان أبوظبي» التي تعد إقراراً ملزماً لجميع الأطراف الموقعة عليها، لتقديم الدعم المالي إلى الصندوق. إعلان أبوظبي يصف التراث الثقافي العالمي بأنه ركيزة أساسية لمستقبل مشترك، وأن تهديد التراث يهدف إلى إضعاف هوية الشعوب، بينما التراث يمد جسور التواصل بين الحضارات، ويعزز روح التسامح والاحترام. في افتتاح المؤتمر وجه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة نداءً إلى كل دول العالم بالتعاون والتنسيق للسيطرة على تهريب الآثار والنظر إلى هذه الآثار، باعتبارها تراثاً عالمياً مشتركاً لا يجوز التهاون في سرقتها أو تهريبها أو نقلها من أماكنها التاريخية. وقال سموه: «إنني على ثقة تامة بأن هذا المؤتمر، سوف يمثل منعطفاً مهماً في الجهود الدولية لحماية التراث الثقافي العالمي، من عبث النزاعات الإرهابية في القضاء على ذاكرة الشعوب وهو سلوك ترفضه الديانات السماوية، والأعراف البشرية والمواثيق الدولية. وإن احتضان دولة الإمارات لهذا المؤتمر يدخل في إطار رؤيتها الحضارية، لإدراكها أن التراث الوطني يشكل رمزاً لهويتها وخصوصيتها الثقافية التي تشكلت عبر الزمن». وتحدث الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند قائلاً: «نحن هنا حيث نشأت المكانات البشرية لأول مرة وهنا تمكنت الإنسانية من بناء المدن الأولى، هنا تم اختراع الكلمة المكتوبة، هنا تم إرساء القوانين المنظمة، ومن هنا جاءت الحضارة الإسلامية إلى الغرب. واليوم نحن في أبوظبي نعلن عن إرادة قوية لحماية هذا التراث كأساس للأمل في المستقبل». إن حديث الرئيس الفرنسي ذو دلالة تاريخية، فيه اعتراف صريح بما للعرب والمسلمين من إسهامات حضارية في الغرب. في هذه الأيام، يتعرض التراث الثقافي لحملة عدوانية شرسة من التنظيمات الإرهابية مثلما قامت «داعش» بهدم معابد «نابو» بمدينة النمرود القديمة في العراق. وحيث البقر تشابه عليهم يحرّمون مشاهدتها، بينما يسترزقون من بيعها بالحرام. وتاريخياً، هذه الآثار كانت موجودة في البلدان التي فتحها المسلمون، ولم يأمر الصحابة بهدمها، وهم يومذاك، أقرب عهداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن«داعش» ومن على غيها من جهلهم يعادون كل ما هو ثقافي وحضاري. وفي مقابل هذه «الظلامية» يستشهد القرآن الكريم بالآثار على صحة دعوة الأنبياء والرسل، ولأخذ الدروس والعبر من قصص الأمم البائدة. « فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا». «النمل 52». وأتى القرآن بدليل الآثار لدحض «دواعش» اليهود في استنكارهم رسالة النبي موسى. ولأهمية هذه الآية حملت الملائكة الآثار(التابوت) «وبقية مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى? وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ? إِنَّ فِي ذَ?لِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ» «البقرة 248»، ونستنبط من ذلك أن للمحافظة على التراث الثقافي مسوغاً شرعياً. ووقف استنزاف هذا المعين الحضاري، يستدعي العمل على تقليص الصراعات في العالم. والأمر المؤسف أن روسيا والنظام السوري ومليشيات إيران تقتل البشر كما تقتل تراثهم الثقافي، وقبلها فعلت أميركا في العراق. ولم تمح تلك الصورة المحزنة، عندي لأم تبكي أبناءها التراثيين على الهواء مباشرة كانت مديرة المتحف العراقي تستغيث «الآثار والتحف والتماثيل والأواني التراثية» وهي تُسرق في وضح النهار في زمن الفوضى في حرب أميركا على العراق عام 2003. وهنا في دولة الإمارات العربية المتحدة، كيف أصبحت «الإمارات أنموذجاً» للحفاظ على التراث الثقافي وحاضنة للموروث الإنساني الدولي؟ بالاعتماد على سجلها الحافل بمبادرات المؤسس الأول المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان- طيب الله ثراه- وهناك المتاحف والتنقيب عن الآثار. وتأسيساً على هذا تم التعاون بين الإمارات وفرنسا لإقامة مشروعات ثقافية مثل جامعة السوربون أبوظبي، ومتحف اللوفر أبوظبي. وهناك متحف الاتحاد الذي تم افتتاحه في العيد الوطني 45 الذي يعرض «رحلة العبور إلى الاتحاد»، هذا الوسم جعل الإمارات #أنموذجاً باستحقاق وجدارة. أحمد الحوسني: سفير سابق