في تاريخ البحرية المصرية واقعة تشبه إلى حد كبير كارثة «بيرل هاربر» الأميركية التي أنزلتها اليابان بأسطول الولايات المتحدة في ذلك الميناء، وتسببت في دخول الولايات المتحدة الحرب ضد اليابان ودول المحور. كارثة الأسطول المصري وقعت عام 1827، قبل نحو قرنين، واستهدفت الأسطولين المصري والعثماني في ميناء «نفارين» باليونان التي كانت جزءاً من الدولة العثمانية، وكان الأسطول الحربي المصري في مهمة دفاع وإنقاذ للدولة العثمانية في زمن الوالي محمد علي، إثر الثورة اليونانية على الأتراك، وهبت البلدان الغربية وشعوبها والولايات المتحدة لنجدة ثورة اليونان وشعبها، باعتبار هذه الدولة أصل الحضارة الأوروبية ومنبع فكرها ومنجزاتها! وكان السلطان العثماني محمود قد طلب من محمد علي باشا عام 1821 أن يمد الدولة بأسطوله لإخماد ثورة اليونان، «فلبى الطلب وأصدر أمره إلى «مُحرّم بك» محافظ الإسكندرية وقائد الأسطول المصري بإعداد سفنه وشحنها بالذخائر والرجال، وقيادتها إلى مياه اليونان للقيام بمهمة مساعدة الدولة، وجعل شاكر أفندي الإسكندراني مهندساً للأسطول المذكور، وكان هذا الأسطول مركّباً من أربع عشرة سفينة». كان مجموع سفن الأسطولين اللذين غادرا الإسكندرية 99 سفينة، منها 36 تجارية استؤجرت لنقل الذخائر والجيش المصري المؤلف من 17 ألفاً من المشاة و700 من الفرسان، وأربع بطاريات من المدافع. ويضيف «طوسون» أن محمد علي «قد أرسل هذه القوة نجدةً مصريةً لمساعدة الدولة العثمانية في هذه الحرب، تحت قيادة ولده البطل الشهير إبراهيم باشا الكبير، فأبلت بلاء عظيماً وانتصرت انتصاراً باهراً على حراقات اليونان وثوارهم ومن انضمّ إلى مساعدتهم من أمم أوروبا، ورجّحت كفة الدولة بهذه النجدة المصرية بعد أن أصيبت في جيوشها وأساطيلها بالهزيمة والفشل العظيم، فحرك ذلك عوامل التعصب في دول أوروبا ودخلت أساطيل إنجلترا وفرنسا وروسيا إلى ميناء نافارين في 20 أكتوبر سنة 1827، وكان مجموعها 26 سفينة كبيرة تحمل 1266 مدفعاً، وكان في هذا الميناء 53 سفينة مصرية وتركية تحمل 1588 مدفعاً، فأطلقت أساطيل هذه الدول الثلاث قنابلها عليها فجأة وهي غير متأهبة لقتالها ودون أن تتلقى منها إعلاناً بالحرب أو يحصل منها سابقة عداء لها». ويصف «طوسون» هجوم الأساطيل الغربية قائلاً: «كانت واقعة غدر وخيانة لم يرو لها التاريخ مثيلاً». وعن نتائج الهجوم يقول: «تلفت أكثر سفن الأسطولين المصري والتركي ولم ينج منها إلا القليل وهلك معظم جنودهما. وقد عدّها بعض المؤرخين حرباً صليبية وإنّي لأرى وصفها بهذا الوصف قليلاً عليها». كان إبراهيم باشا (1789 - 1848) أحد كبار قادة مصر العسكريين، ويقول عنه قاموس المنجد إنه «قهر المماليك وانتصر على الوهابيين وعلى اليونان وعلى العثمانيين في سورية». ويصف كتاب «ذكرى البطل الفاتح إبراهيم باشا»، الصادر عام 1948 في الذكرى المئوية لوفاته وإنجازات إبراهيم باشا ومقدمات «معركة نافارين» البحرية، حيث نشطت الجمعيات اليونانية في بعض العواصم الأوروبية، وكسبت بسالة اليونانيين في المقاومة ازدياد عطف الأوروبيين على الثوار، واتفقت الدول الأوروبية بموجب «اتفاقية لوندرة» في يوليو 1827 على التدخل بين تركيا واليونان فيما كانت الثورة تلفظ أنفاسها الأخيرة، «وقد تخاذل زعماؤها وسرى اليأس إلى نفوس أنصارها، فلما أُبرمت هذه المعاهدة ابتهج لها اليونانيون. وكان الحلفاء في هذه المعاهدة يعلمون أن تركيا ستصرّ على رفض طلباتهم الخاصة بوقف القتال فاتفقوا على إرسال أساطيلهم إلى مياه اليونان لمنع السفن المصرية والعثمانية من الوصول إلى شاطئ اليونان، وإرسال المدد إلى الجيش المصري والتركي». وساء الحلفاء وصول القوى البحرية المصرية والتركية فتحركت سفنهم، وفي الساعة العاشرة من صبيحة 20 أكتوبر 1827 بدأت سفن الحلفاء تتأهب لدخول الميناء، وعند تمام الساعة الثانية ظهراً اقتحمت البوغار أو المضيق نحو الميناء والأسطولين، وسرعان ما اصطفت سفن الحلفاء على شكل نصف دائرة تقريباً مواجهة للسفن المصرية والتركية. ويضيف «الكتاب التذكاري»، أن «معركة نفارين» البحرية ابتدأت في منتصف الساعة الثالثة بعد الظهر واستمرت نحو الساعة الخامسة وانتهت بالقضاء على البحرية المصرية والتركية، فقد هلك معظمها نسفاً وغرقاً». ولم يشهد إبراهيم باشا معركة «نفارين» لأنه كان قد تقدم إلى داخل بلاد المورة أو البيلوبونير جنوبي اليونان، لنجدة الحاميات المصرية. ويقول الكتاب نقلاً عن المؤرخ المصري عبدالرحمن الرافعي «عصر محمد علي» عن انسحاب الجيش المصري بعد الحرب: «لقد عاد الجيش المصري من بلاد المورة في أكتوبر عام 1828 وقد أنهكته الحروب وتكبدت مصر في هذه الحملة متاعب هائلة ونفقات جسيمة وحسبنا أن نعرف أن الجيش الذي بلغ في حرب اليونان اثنين وأربعين ألفاً خسرت منه ثلاثين ألفاً وبلغت نفقات الحملة 775 ألف جنيه وفقدت أسطولها الحربي في واقعة «نفارين» لندرك أن خسائرها في هذه الحملة كانت فادحة وتضحياتها بالغة». ولكن مصر، يقول الكتاب، كسبت منزلة كبيرة في نظر الدول الأوروبية لأن جيشها برهن على كفاءته في أول حرب أوروبية خاض غمارها، وظهر أن الجيش المصري أرفع شأناً وأشد بأساً من الجيش التركي.. ويضيف: «اكتسبت مصر مركزاً دولياً ممتازاً لأن دول أوروبا فاوضت محمد علي باشا رأساً دون وساطة تركيا وأرسلت إليه الحكومة الإنجليزية تبدي شديد أسفها على ما لحق الأسطول المصري في واقعة «نفارين» وتظهر رغبتها في جعل علاقتها به وديّة بل وفاوضته في أن تبقى على الحياد، إذا نشب القتال بين تركيا ومصر. ولا شك في أن أكبر مغنم غنمته مصر من هذه الحرب هو أنها باتت دولة مستقلة فعلاً عن تركيا، وأهم مظهر لذلك هو عقد دول الحلفاء الثلاث اتفاق أغسطس 1828 رأساً مع مصر، وهذه أول وثيقة سياسية أبرمها وزير خارجية مصر مع دول أجنبية في عصر محمد علي».