في إطار استشراف المستقبل واستلهام الحلول للكثير من التحديات الراهنة التي تواجه العالم استحدثت قيادتنا الرشيدة (حفظها الله) منصب وزيرة الدولة للتسامح، يهدف هذا المنصب إلى استدامة قيم التسامح في المجتمع، خاصةً في ظل ما نشهده من استشراء خطابات الكراهية والعصبية والتطرف والعنف والتمييز. والحق أن قيمة التسامح في الإمارات هي من القيم الأصيلة والراسخة في الموروث الإماراتي تمتد إلى ما قبل قيام اتحاد دولة الإمارات، ولا شك أن هذه القيمة الفاضلة ازدادت الحاجة إليها في وقتنا الحاضر، لحفظ حاضرنا ومستقبل أجيالنا المقبلة واستدامة الوئام والانسجام بين مختلف الشعوب والثقافات والأديان. ولذا نحن بحاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى تعميق علاقاتنا الداخلية والخارجية، وتكريس مبدأ الاحترام المتبادل بين جميع مكونات مجتمعاتنا المحلية والإقليمية والدولية، وتعزيز قيم التسامح والتعايش عبر إثراء قنوات التواصل والتفاهم والحوار والتعاون بيننا. إننا في دولة الإمارات ننطلق من سماحة الدين الإسلامي الحنيف، والذي يدعونا دوماً إلى التآخي والترابط والتسامح والتعاضد، وكذلك الأديان السماوية تحث على الوحدة والتماسك لما يترتب على ذلك من تحقيق الخير والسعادة وتنمية وازدهار المجتمعات، كما أن التسامح متأصل في إنسانيتنا وفطرتنا السّوية التي جبلتنا على الاحترام والتعارف والتناغم والتآلف. إن دولة الإمارات العربية المتحدة اتخذت العديد من التدابير التي أصَّلت قيمة التسامح، وحولتها إلى منهج ثابت وراسخ في المجتمع بمختلف مؤسساته ومكوناته، ومن تلك التدابير سنت قوانين عديدة مثل قانون التعاون القضائي الدولي في المسائل الجنائية (عام 2006)، وتشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب (عام 2009)، وقانون مكافحة الجرائم الإرهابية (عام 2014)، وقانون الكراهية والتمييز عام (2015)، وهذا القانون الأخير شمل مواد تضمن المساواة بين أفراد المجتمع، وتجرم التمييز بين الأفراد أو الجماعات على أساس الدين أو المذهب أو العرق أو اللون أو الأصل أو استغلال الدين في التكفير أو دعم الإرهاب مالياً، ولذلك أصبحت دولة الإمارات حاضنة للشعوب، ويعيش على أرضها أكثر من 200 جنسية، يعيشون بسلام ووئام واحترام، وفي كنفٍ من المودة والتعاون والمحبة والتضامن. لقد رسمت دولة الإمارات العربية المتحدة ملامح دورها الإقليمي والعالمي، منذ أن قال المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان (طيب الله ثراه)، مؤسس الدولة وباني نهضتها الحديثة: «إن التعاون بين البشر على الرغم من اختلاف الأديان والعقائد هو أساس السعادة، والتعاون يجمع بين القريب والبعيد»، فحمل قادتنا هذا الدور وترجموه إلى وقائع من خلال جملة من المبادرات الاقتصادية والتنموية والثقافية والمساعدات الإنسانية للمتضررين من الكوارث الطبيعية والصراعات والحروب. وحقيقةً إن كافة تلك المبادرات ليست كافية إلا إذا تزامنت مع رسالة ثقافية وحضارية واضحة تحمل في مضامينها رؤية دولة الإمارات لشكل العلاقة بين البشر القائمة على أساس التسامح والوئام والتعايش والاحترام، الأمر الذي يؤدي إلى الأمن والاستقرار وحفظ الحقوق وصون الأعراض لكل البشر بمختلف أجناسهم وثقافاتهم وأديانهم. إن هذا الدور الإيجابي على المستويين الإقليمي والعالم، حول دولة الإمارات إلى حاضنة للمبادرات الإنسانية، وراعية للجهود الدولية الملتزمة بمكافحة التعصب والكراهية ونشر قيم التسامح، ومن تلك المبادرات القمة العالمية لرئيسات البرلمانات التي تستضيفها العاصمة أبوظبي خلال اليومين القادمين، والتي ستناقش ضمن أجندتها السبل الكفيلة بتحويل قيمة التسامح إلى منهج وسلوك وأسلوب حياة لكل أفراد وشرائح ومكونات المجتمع ومؤسساته، ذلك أننا نسعى إلى استنهاض الهمم وتحمل المسؤولية العالمية المشتركة لجعل عالمنا أكثر تسامحاً وتآلفاً وتعاوناً، وقد علمتنا الأحداث التي تسيطر على المشهد الإقليمي والعالمي أن زرع فكرة نبيلة واحدة كفيل بتجنب عشرات الحروب والصراعات. ولا ريب أن الثقافة المتطرفة لا تلغيها إلا ثقافة أخرى تجابهها، وتعيد الإنسان لأصالته وطيبته وفطرته السّوية، ولذا نحن بحاجة إلى وجود ثقافة تسامحية، ثقافة تنتهجها الحكومات والأنظمة السياسية، ويتعايش في فلكها أفراد المجتمعات، لأن التسامح هو رسالة أمل وحب وخير لشعوب العالم، فنحن قادرون من خلال هذه القيمة الإنسانية النبيلة على جعل عالمنا ومستقبلنا أفضل، يحترم عقائدنا وثقافاتنا وهوياتنا مهما تنوعنا في الأصل والجنس واللون والدين. إن التسامح كما قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم - نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي (رعاه الله) - «ليس فقط كلمة نتغنى بها، بل لا بد أن يكون لها مؤشرات ودراسات وسياسات، وترسيخ سلوكي في مجتمعنا لنصون مستقبله ونحافظ على مكتسبات حاضره»، وهذا يعني أن نسعى إلى تحويل قيم التسامح إلى برامج ومبادرات وأنشطة تنفذها الجهات والمؤسسات في القطاعين العام والخاص، وتنعكس إيجاباً على المجتمع، وتثري قيم التسامح والإخاء بين الأفراد، وتعزز احترام التعددية والتنوع، وترسخ القبول بالآخر، وهذا ما نعمل لأجله محلياً وإقليمياً وعالمياً. لبنى بنت خالد القاسمي: عضو مجلس الوزراء، وزيرة الدولة للتسامح