تسعى روسيا واليابان إلى توطيد علاقاتهما الثنائية، حيث تأملان في حل نزاع إقليمي شائك بينهما، وتجاوز بعض إرث الحرب العالمية الثانية، وتعميق العلاقات الاقتصادية في النهاية. وعلى هذه الخلفية، من المرتقب أن يلتقي الرئيس فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الأسبوع المقبل لإضفاء صفة أكثر رسمية على هذه الجهود. والحال أن بوتين كان يغازل طوكيو من بعض الوقت. ففي خطابه السنوي أمام مجلس «الدوما» الروسي في الأول من ديسمبر، قال إنه يرغب في بناء علاقات أفضل مع اليابان التي يتطلع إلى أن يطوّر معها شراكة اقتصادية وتنمية مصادر الطاقة في الشرق الأقصى الروسي. ولاشك أن اليابان تبدى أيضاً اهتماماً مماثلًا، حيث قال آبي بشكل صريح، إن على روسيا أن تنظر إلى اليابان باعتبارها بوابتها إلى آسيا - وليس الصين فقط. ولأول وهلة، يبدو تعزيز العلاقات بين اليابان، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في آسيا، وروسيا، التي تتقارب مع الصين بشكل مطرد، موقفاً قد ينطوي على شيء من التنافر. كما أن العلاقات بين الجانبين ظلت تشهد توتراً بدرجات متفاوتة منذ الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، عندما استولى الاتحاد السوفييتي على بعض الجزر في أقصى شمال اليابان وأبقى عليها. ولكن صعود الصين كقوة اقتصادية وعسكرية، ولاسيما موقفها الذي ازداد قوة مؤخراً في آسيا، أخذ يدفع في اتجاه إعادة النظر في بعض الاصطفافات الجيوسياسية القديمة. وفي هذا السياق، يقول مايكل أوسلن، مدير دراسات اليابان في «معهد المشروع الأميركي» في واشنطن: «إن الأمر يتعلق بنوع من المناورة ومحاولة الحفاظ على التوازن»، مضيفاً أن «موسكو وطوكيو تشعران بالقلق بشأن بكين، مع أن الرئيس بوتين والرئيس الصيني شي جينبينغ تجمعهما علاقة وثيقة». ومن جانبها، ربما تنظر روسيا بتوجس إلى التهديد الذي يمثله عدد سكان الصين الضخم على حدود «شرقها الأقصى» الغني بالموارد والخالي من السكان. وفي هذه الأثناء، تراقب اليابان بحذر المقاربة الصينية القائمة على تأكيد القوة في النزاعات الآسيوية، من بحر جنوب الصين إلى النزاع حول بعض الصخور في بحر شرق الصين. ويقول أوسلن: «يُنظر إلى روسيا باعتبارها شريكاً مفيداً لليابان، والعكس صحيح، بخصوص الصين، ولكن عندما تصبح العلاقات حميمة أكثر مما ينبغي على أحد الجانبين، تعود روسيا، بشكل خاص، إلى الصين دائماً». كما تنظر روسيا، التي تتوق لتطوير مواردها الطاقية في سيبيريا وإيجاد مشترين جاهزين، إلى اليابان كبلد من شأن تعزيز التعاون معه أن يحد من الاعتماد الكبير والمبالغ فيه على السوق الصيني. ففي 2014، وبعد عشر سنوات من المفاوضات، وقّعت روسيا والصين اتفاقاً ضخماً لتصدير الغاز الطبيعي، إلا أن الصين تشددت بخصوص الأسعار، ولم تنتقل بسرعة إلى ضخ رؤوس أموال استثمارية في المشاريع الروسية. ومن جانبها، تحتاج اليابان لواردات الطاقة، ويمكنها أن تساعد روسيا على تطوير مواردها غير المستغلة. وفي هذا الإطار، تقول سيلين باجون، الباحثة بالمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية: «إن روسيا لا تريد أن تكون شريكاً صغيراً للصين وتكون معتمدة عليها بشكل كبير، ولهذا فإن بوتين يحرص على تعميق العلاقات مع اليابان أيضاً». والراهن أن الغزل الجيوسياسي بين روسيا واليابان يأتي أيضاً في وقت تبدو فيه الولايات المتحدة على وشك إعادة كتابة أجزاء كبيرة من عقيدتها الخاصة بالسياسة الخارجية. ذلك أن الرئيس المنتخب دونالد ترامب كثيراً ما انتقد اليابان خلال حملته الانتخابية، وندد باتفاقية الدفاع بين البلدين، وساهم في إجهاض «الشراكة عبر المحيط الهادي»، وهي اتفاقية ضخمة للتجارة الحرة بين البلدان المطلة على المحيط الهادي. والأرجح أن اجتماع بوتين- آبي سيسعى لحل وتسوية المواضيع الخلافية بين الجانبين، ولكن على رغم الآمال في تقارب في جميع المجالات، فإن روسيا ترفض فكرة إعادة أي من جزر كوريل -المعروفة باسم «الأراضي الشمالية» في اليابان- التي تسيطر عليها منذ 1945، بل إنها اتخذت مؤخراً خطوات لتعزيز دفاعاتها على الجزر الصغيرة. وكانت اليابان قد تقدّمت خلال الآونة الأخيرة بمقترح جديد يقضي بتقديم اليابان لروسيا مساعدات واستثمارات مالية في مقابل إعادة اثنتين على الأقل من الجزر إليها، ولكن المقترح لم يلق رداً إيجابياً من قبل روسيا. وفي يوم السبت الماضي، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، الذي كان يتحدث مع نظيره الياباني في موسكو: «إنه ليس من السهل رأب الهوة الموجودة في موقفي الجانبين، إن المشكلة صعبة»، ما يعني أن اتفاقية السلام بين روسيا واليابان ما زال التوصل إليها بعيد المنال. غير أن رغبة اليابان في السعي وراء علاقات أقوى مع روسيا، سواء من أجل إحداث وزن مضاد للصين أو لتلبية احتياجاتها الاقتصادية الخاصة، يمكن أن توفر طريقاً أسرع إلى الأمام بالنسبة للولايات المتحدة، كما يقول «أوسلن». ذلك أن الدبلوماسيين وصناع السياسات الأميركيين مهووسون بدور المشاغب الذي تلعبه روسيا في أوروبا، كما يقول، إلى درجة أنهم ينسون أن روسيا تتقاسم الكثير من الأهداف الأميركية في آسيا، من حماية حرية الملاحة البحرية إلى احتواء كوريا شمالية نووية، إلى المساعدة على إحداث وزن مضاد لصين أكثر قوة وثقة في النفس. ويقول أوسلن: «إن مشكلتنا في واشنطن هي أننا غير قادرين حقاً عن فصل سياستنا تجاه روسيا عن أوروبا، والحال أن علينا أن نشرع في البحث عن فرص لأنواع جديدة من التعاون في آسيا». ------------------ إيميلي تامكن* * محللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»