دعا قائد الجيش الباكستاني الجديد الجنرال «قمر باجوا» في أول تعليق له بعد توليه المنصب في الأيام القليلة الماضية، إلى ضرورة حسم النزاع في كشمير من أجل تحقيق الأمن الإقليمي. وتولى الجنرال «باجوا»، الذي اشتهر بأنه جندي متفانٍ في عمله، منصب قائد الجيش في وقت تواجه فيه باكستان تحديات كبيرة مثل سعيها للتفاوض بشأن علاقاتها المتردية مع الهند وأفغانستان. ولأن السياسة الخارجية الباكستانية يمليها دوماً الجيش، فإن باجوا سيتعين عليه أيضاً مواجهة تحدي تعزيز العلاقات بين الجيش والحكومة المدنية التي انحدرت إلى مستويات منخفضة في فترة ولاية قائد الجيش السابق أثناء السعي للتصدي للهجمات الإرهابية داخل باكستان. وربما تكون علاقات باكستان بالهند أيضاً في أدنى مستوياتها بعد وقوع عدد من الهجمات الإرهابية على قواعد عسكرية هندية في كشمير ووقوع هجوم على قاعدة جوية في ولاية البنجاب الهندية. وألقت نيودلهي باللائمة على إسلام أباد في الضلوع في الهجمات. ورداً على هذه الهجمات شنت الهند ضربات دقيقة داخل الأراضي الباكستانية. وسعت الهند أيضاً في جهود دبلوماسية متواصلة لعزل باكستان ورفضت حضور قمة اتحاد جنوب آسيا للتعاون الإقليمي الذي من المقرر أن تستضيفه باكستان. وفي غضون تولي قائد جديد للجيش الباكستاني وقع هجوم على مقر كتيبة من الجيش الهندي في كشمير قُتل فيه سبعة أفراد من الجيش مما زاد طين توتر العلاقات بلة بين البلدين. ومنذ ذاك الحين استمر تبادل إطلاق النار وظلت التوترات متصاعدة بين البلدين. ومن المعلوم أن الجنرال «قمر باجوا» أعلن من قبل أن الإرهاب الداخلي في البلاد أشد خطراً على البلاد من الهند. ولكن بعد أن أصبح قائداً للجيش الباكستاني، باتت معالجة العلاقات مع أكبر جارة لباكستان في جنوب آسيا من التحديات الكبيرة التي يواجهها باجوا. ويتوقع أن يكون قائد الجيش الجديد أكثر انفتاحاً تجاه مسألة تحسين العلاقات مع الهند من سلفه الذي تبنى موقفاً متشدداً للغاية من الهند. ورغم أنه لا يتوقع أن يترك الجيش الباكستاني الساحة للحكومة المدنية كي تشكل العلاقات الخارجية مع الهند، لكن يتوقع أن يكون «باجوا» أكثر دعماً لمساعي رئيس الوزراء نواز شريف لتحسين العلاقات مع الهند وأفغانستان. ولا سر في أن الجيش الباكستاني ينظر دوماً إلى جهود الحكومة المدنية في تحسين العلاقات مع الهند بقدر كبير من الريبة، ولذلك فما علينا إلا الانتظار حتى نرى كيف سيعالج قائد الجيش الجديد علاقات باكستان بالهند. وبالمثل أيضاً نجد توترات في العلاقات بين أفغانستان وباكستان في الشهور القليلة الماضية. فقد اتهمت أفغانستان في الآونة الأخيرة وكالة الاستخبارات الباكستانية بأنها تدعم سراً تمرداً تقوده «طالبان» في أفغانستان بسماحها لنشطاء التمرد بأن يجدوا ملاذاً آمناً في الجانب الباكستاني من الحدود. وعلى الجانب الآخر اتهمت باكستان أيضاً أفغانستان بإيواء متطرفين دينيين ينفذون هجمات قاتلة في مدن باكستانية مختلفة. وهناك مجال آخر، سيتعين على قائد الجيش الجديد أن يعالجه وهو العلاقات بين الولايات المتحدة وباكستان في ظل الإدارة الجديدة للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب. وبينما تواصل ترامب بالفعل مع نواز شريف لكن ما زال علينا أن ننتظر لنرى كيف تصوغ واشنطن علاقاتها مع إسلام آباد في غمرة عدم الثقة المتبادلة الحالي. ومما لا شك فيه أن ما أثلج صدر الجيش الباكستاني أن ترامب اختار الجنرال «جيمس ماتيس» ليكن وزيراً للدفاع في إدارته. فقد عمل الجنرال «ماتيس» من كثب مع المؤسسة العسكرية الباكستانية أثناء الغزو الأميركي لأفغانستان. ويتمتع «ماتيس» بعلاقات قوية مع جنرالات الجيش الباكستاني. كان الرئيس باراك أوباما قد أرسل «ماتيس» أيضاً كمبعوث خاص للحفاظ على العلاقات مع كبار قيادات الجيش الباكستاني في أعقاب مقتل أسامة بن لادن. وبخلاف تحديات السياسة الخارجية، فإن اضطلاع القائد العسكري الباكستاني الجديد بمهمة الحفاظ على الأمن داخل البلاد سيكون اختباراً جوهرياً لقيادته. وبينما انخفض عدد الهجمات الإرهابية داخل باكستان، فما زال بوسع المسلحين توجيه ضربات وتنفيذ هجمات مدمرة. وشن الجيش الباكستاني حملة أمنية مشددة بعد أن هاجمت جماعة «طالبان» الباكستانية مدرسة يديرها الجيش في مدينة بيشاور عام 2014 مما أدى إلى مقتل ما يزيد على 100 طفل. لكن هذا العمل تلاشى من الذاكرة مع وقوع هجمات في الآونة الأخيرة على أكاديمية للشرطة في «كويتا»، مما يوضح أن المتطرفين مستعدون لأن يظهروا أنهم قادرون على ضرب رموز السلطة. وما زال إقليم بلوشستان مرتعاً خصباً للأنشطة المسلحة. وما زال الحفاظ على القانون والنظام في هذا الإقليم مهماً لعدة اعتبارات أخرى. فالصين تنشئ ممراً اقتصادياً قيمته 46 مليار دولار يتضمن شبكة من الطرق والسكك الحديد وخط أنابيب للإمداد بالطاقة يمتد من غرب الصين إلى ميناء بحري في عمق باكستان. والمشروع يمر عبر إقليم بلوشستان حيث نجح الجيش الباكستاني حتى الآن في حماية الاستثمارات فيه. ورغم أن الجنرال «باجوا» بدأ بتصريحات تصالحية فيما يتعلق بالهند وأفغانستان، وهما جارتا باكستان وموضع اهتمامها، فليس من المتوقع أن يخفف القائد الجديد هيمنة الجيش الباكستاني على الحكم المدني أثناء فترة ولايته. د.ذِكْرُالرحمن *رئيس مركز الدراسات الإسلامية في نيودلهي.