حين تنتقل اليوم من عاصمة خليجية إلى عاصمة أخرى، فإن مثل هذه الرحلة لا تستغرق أكثر من ساعه كاملة في أغلب الأحيان. ومثل هذه المسافات المتقاربة جغرافيا تعكس كذلك حقيقة اجتماعية هي التقارب الاجتماعي والثقافي بين الشعوب العربية الخليجية. وحين كنت في المنصة الرئيسة في أبوظبي مساء يوم الأحد الماضي الرابع من ديسمبر أشاهد الحشود الكبيرة من القبائل التي قدمت إلى مهرجان الشيخ زايد بالوثبة لترحب بضيف الإمارات خادم الحرمين الشريفين الذي كان يزور دولة الإمارات في مستهل جولته الخليجية الحالية، فقد سعدت جدا بمنظر حشود هذه القبائل القادمة من أطراف الإمارات السبع مرحبة بضيف دولة الإمارات العربية المتحدة. غير أن ما أثار اهتمامي هو تشابه الأسماء بين القبائل الإماراتية والقبائل السعودية. فبنو حارث في الإمارات هم أبناء عمومة قبيلة بني حارث السعودية، والدواسر هم الدواسر الذين يرعون إبلهم في شرق المملكة العربية السعودية ويعملون في البحرين. وهكذا دواليك مع معظم القبائل العربية في جزيرتنا العربية وفي خليجنا العربي الذي تتقاطع فيه إقامتها ومراعيها بين بلدان الخليج الستة. فالبدوي كما المثقف والتاجر هم العمود الفقري لدولنا الخليجية ولمجلس التعاون، والوحدة الخليجية المأمولة. وهذه الوحدة لم تأتِ من فراغ بل هي جزء أصيل من تراث الأمة وثقافتها ورؤيتها المستقبلية. وهذه الرؤية لا ترتبط بالتهديدات القادمة من الخارج على خطورتها علينا جميعاً، بل تنبثق من الداخل العربي والخليجي ومن المشاعر الإيجابية التي يجدها المواطن الخليجي في كل بقعة ومدينة خليجية يذهب إليها. فأبناء العم والأصدقاء موجودون في الدوحة كما المنامة وأبوظبي. وهذا لا ينطبق فقط على القبائل الكبرى بل يمتد كذلك ليشمل العائلة الواحدة الممتدة كالشجرة الرؤوم بين عدة عواصم خليجية. وما أودّ قوله هو أن الوحدة الخليجية، أو الاتحاد الخليجي كما تحلو للبعض تسميته، ليست ترفاً فكرياً أو تخوفاً من تهديد استراتيجي محتمل، بل تنطلق كذلك من جذور وأبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية. وإذا كان رجال القبائل هم أكثر الناس تأثراً وتأثيراً في هذا الامتداد الإيجابي الطبيعي، فإن الصفوة السياسية في دول مجلس التعاون، وإن تباينت آراؤها فإنها تبقى كذلك مؤمنة إيماناً عميقاً بالوحدة الخليجية وإن جاءت متئدة وعلى مراحل. ويأتي ذلك منسجماً مع ما أطلقته بعض من مؤسسات المجتمع المدني الخليجية التي رفعت وثيقة إلى زعماء دول المجلس المجتمعين في قمة البحرين تطالبهم بسرعة تبني القيادات السياسية لإطار الاتحاد الخليجي، حتى لو تشكل ذلك في البداية من دولتين أو أكثر في مرحلته الحالية. وأن تشمل أطر هذا الاتحاد الشؤون السياسية والخارجية وشؤون الدفاع المشترك. ومثل هذه الأنماط من التوحد في السياسات الخارجية والدفاعية أو الاقتصادية، مجالات تتبناها تكتلات دولية متعددة تنتشر من أوروبا وحتى جنوب شرق آسيا، ناهيك عن دول الخليج العربية وشعوبها التي ظلت تطالب بمثل هذا الاتحاد منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وقد شهدت القمة الخليجية السابعة والثلاثون التي عقدت في البحرين في 7 ديسمبر الجاري توجهاً لبناء تحالف استراتيجي جديد مع بريطانيا، حيث حضرت وشاركت رئيسة الوزراء البريطانية في مؤتمر القمة الخليجي. وقد أظهر البيان الختامي للمؤتمر، حرص القادة المشاركين في القمة على مواصلة جهودهم لبناء اقتصاد خليجي متين ومترابط عبر تكتل اقتصادي يمر من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتأسيس عدد من الآليات المهمة في هذا المجال ومن أهمها هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية لدول المجلس. كما اهتمت القمة الخليجية السابعة والثلاثون أيضاً بالمسائل الإقليمية وسبل حلها سلمياً، ومنها رفض الحوثيين واتباع علي عبدالله صالح في اليمن للتوصل إلى حل سلمي للمسألة اليمنية تحت رعاية الأمم المتحدة وحسب القرار الأممي رقم 2216. وأدانت القمة ما يقوم به نظام بشار الأسد من عدوان صارخ على المدنيين في سورية وتغيير الخريطة الديموغرافية في البلاد عن طريق العنف الممنهج. ودعت القمة إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف. وكان هناك عدد من القضايا الإقليمية المهمة التي تطرقت لها القمة مثل استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث وتهديدها للبحرين ومحاولتها إثارة النعرات الطائفية في المنطقة، وكذلك مواقفها السيئة من المملكة العربية السعودية ومحاولة تسييس فريضة الحج. ولعل إعلان التحالف الخليجي- البريطاني في هذا الوقت بالذات يعد أهم حدث شهدته القمة، حيث حرص الجانبان الخليجي والبريطاني على تعزيز العلاقات الثنائية القائمة حالياً بين الجانبين لتصل إلى درجة الشراكة الاستراتيجية وتشمل التعاون الأمني والدفاعي والاقتصادي والثقافي وغيرها من مجالات التعاون. وتعهد الجانبان الخليجي والبريطاني بالتصدي للأنشطة الإيرانية المزعزعة للاستقرار في المنطقة. واتفقا على تشكيل مجلس وزاري مشترك يجتمع كل عام لمناقشة قضايا المنطقة السياسية والأمنية، وكذلك القضايا الاقتصادية والثقافية. ويأتي حرص بريطانيا على تعزيز علاقاتها مع دول مجلس التعاون في هذا الوقت بالذات في ضوء خروجها المتوقع من عضوية الاتحاد الأوروبي في العام القادم، وكذلك القلق المحتمل الذي يسود المنطقة بسبب السياسات الانعزالية المحتملة للإدارة الأميركية الجديدة. ---------------- * أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود