وصول اليمين المحافظ إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية، وتحول الكونجرس بمستوييه، النواب والشيوخ، إلى أغلبية «جمهورية» يعني أن السياسة الخارجية، بالنسبة إلى الداخل الأميركي، ستحدث فيها تغيرات، ربما تكون كبرى، ستتأثر جراءها مصالح العديد من الدول على مدار العالم. ونظراً إلى ما وصلت إليه دول مجلس التعاون الخليجي من أهمية على صعيد اقتصاد العالم وسياساته فإن مصالحها قد تتأثر في جوانب منها بشكل كبير، وهذه مسألة لا بد وأن تكون دول المجلس مدركة وواعية لها. وما أود أن أتطرق إليه ليس هو القدر الذي ستتأثر به تلك المصالح، ولكن إدراك مسألة مهمة في سياسات الولايات المتحدة منذ نشأتها، وهي البحث الدائم عن أعداء خارجيين يلتفت الداخل الأميركي إليهم لكي يصرف انتباهه بشكل كبير عن مشاكل الداخل وخلافاته المحتدمة. وربما أن من يقرأ هذا المقال يستغرب هذا الطرح ولكن بالنظر إلى التاريخ الأميركي منذ نشأة الولايات المتحدة يُلاحظ بأن هذه حقيقة قائمة في السلوك السياسي للولايات المتحدة كدولة تجاه العالم الخارجي، ففي أواخر القرن الثامن عشر، وتحديدا عام 1744 أجبرت المخاطر الخارجية الآتية من بريطانيا المستعمرات الأميركية المشتتة آنذاك على عقد مؤتمر تاريخي فيما بينها لكي تتجمع وتدافع عن نفسها بشكل مشترك ضد ذلك الخطر، أي إنها قد توحدت قبل إعلان الاستقلال بسبب وجود خطر خارجي عليها. ونتيجة لذلك المؤتمر قامت بتعبئة إمكاناتها المادية والبشرية وهي مستعمرات متفرقة تحت إمرة وقيادة واحدة. صحيح أنه كان تحالفاً فضفاضاً، لكنه كان بنفس قدر الخطر الخارجي الذي تمت مواجهته. ربما أن حالة مشابهة توجد حالياً بالنسبة إلى وجود شيء من الاختلاف والفرقة تحتاج إلى خطر خارجي متصور يقوم بإزالتها، وتوجد العديد من التفسيرات لأسباب تلك الفرقة تتراوح ما بين الاختلافات حول مقولات العولمة، وتشتت الفئات الاجتماعية لأسباب تتعلق بموجه التمييز العنصري الجديدة، لكن سبباً رئيساً ضخماً يتم تجاهله حالياً، وهو عدم وجود خطر خارجي يهدد البلاد يمكنه توحيد هذه الكتلة البشرية الضخمة التي تعاني الانقسام الحاد حالياً إلى درجة الاحتقان. بهذا الصدد يقول علماء النفس بأن البشر درجوا على مدى التاريخ على تكوين «التجمعات الداخلية» و«التجمعات الخارجية»، بمعنى نحن وهم، سواء كان ذلك على مستوى «الحارة» الواحدة تجاه «الحارات» الأخرى، وعلى مستوى علاقات الدول بعضها ببعض وهي ذاهبة إلى الحروب. إن الرغبة المشتركة في حماية الذات بشكل جماعي تجاه المخاطر الخارجية يمكن لها أن تزيل العداوة بين أعضاء الجماعة الداخلية، وأن تخلق فكرة أن الفرد يجب أن يضحي في سبيل الجماعة. الولايات المتحدة تعيش الآن في منعة ضد جميع المخاطر الخارجية التي يمكن أن تؤثر فيها بشكل جدي وحقيقي، فبعد زوال الاتحاد السوفييتي والحرب الباردة، وتقلص دور كل من روسيا والصين العالمي كمهدد للغرب، وتفاقم مشاكل القارة الأوروبية الاقتصادية التي لا تساعدها على أن تكون منافساً قوياً أو مهدداً حقيقياً للولايات المتحدة، أصبحت الأخيرة تقف وهي لا تجد لها عدواً خارجياً تصب عليه جام غضبها. إنها الآن تبحث عن هذا العدو، الذي لا يبدو أنه سيكون موجوداً قريباً. لذلك فإن مهمة دول مجلس التعاون الخليجي الشائكة حالياً، هي أن تكون بعيدة جداً عن أن تصبح جزءاً من العدو الخارجي الذي تبحث عنه الولايات المتحدة لتحقيق تجانسها ووئامها الداخلي الذي بدأ في الاهتزاز. وما نلاحظه الآن هو وجود حذر شديد في الوسط التعاوني الخليجي مما يحدث، إلا أن على الخليجيين أن يعوا بأن ما يحدث هو أمر واقع يجب التعامل معه بحنكة وذكاء لتحقيق أكبر قدر ممكن من المصالح الخليجية، فهذا هو ديدن السياسة، وهذا هو قدر المتعاملين معها سواء كانوا ساسة محترفين أم علماء سياسة أم دولاً وحكومات وشعوباً تسعى إلى تحقيق مصالحها وكسب أكبر قدر ممكن منها، فالسياسة كما تعلمنا هي فن الممكن وليست أي شيء آخر. د. عبدالله جمعة الحاج* *كاتب إماراتي