كان من الطبيعي أن تلفت قسمات المشهد الإسرائيلي المليء بالعواصف الطبيعية التي أدت إلى اشتعال الحرائق في الغابات والأحراش وامتداد لهبها إلى المدن خلال الفترة الأخيرة أنظار العرب والمسلمين الذين شعروا بأذى شديد لدينهم نتيجة لطرح مشروع قانون منع أذان الصلاة في إسرائيل والقدس المحتلة من جانب معسكر اليمين برئاسة نتنياهو. وكان مفهوماً بالتالي أن تمتلئ صفحات القراء العرب على وسائل التواصل الاجتماعي بشبكة الإنترنت بالتعبيرات الدالة على إيمانهم بتدخل المولى عز وجل وأيضاً بالدعوات أن يرد كيد المبادرين إلى قانون منع الأذان إليهم. الأمر اللافت للنظر أنه ما إن خمدت ألسنة اللهب بعد تدخل طائرات الإطفاء من دول عديدة حتى انهمرت الأمطار بغزارة، مما أدى إلى سيول وإغراق شوارع العديد من المدن الإسرائيلية، مما أدى إلى توجيه انتقادات شديدة لحكومة نتنياهو صاحبة قانون منع الأذان لتقصيرها في اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من حرائق الغابات وحماية المدن من الآثار السلبية للأمطار الغزيرة. لم يتوقف المشهد العاصف عند هذا الحد، بل تلته سلسلة من الفضائح المتعلقة بأسرة رئيس الوزراء، فقد تم استدعاء زوجته «سارة» إلى سلطات التحقيق القضائية لسؤالها حول شبهات متعلقة بإهدار المال العام واستخدامه في أغراض شخصية، وهو تحقيق أحدث عاصفة إعلامية وسياسية أحاطت برئيس الوزراء. أضيفت إلى هذا أخبار فجرتها قنوات التلفزيون الإسرائيلي تفيد بأن «يائير»، الابن البكر لنتنياهو، معرض هو الآخر لتحقيق قضائي حول الحصول على عطايا من مليونير أسترالي تجمعه صداقة بأبيه رئيس الوزراء، وهى عطايا تمثلت في تمويل رحلات فاخرة قام بها «يائير» إلى الخارج. لقد أصبح الإعلام الإسرائيلي يتداول أخباراً عن قوة تأثير يائير على أبيه وأنه كان من أشد المؤيدين لقانون منع الأذان، وأنه كان أحد العناصر الرئيسة في إقناع نتنياهو بتأييد القانون حيث أدخل في رأس أبيه ذريعة منع الإزعاج الناتج عن صوت الأذان. بالإضافة إلى كل هذه العواصف التي مست بشكل مباشر صورة نتنياهو تفاقمت فضيحة تشير إلى توسط محامي أسرة نتنياهو في صفقة شراء غواصات من ألمانيا وحصوله على عمولات ضخمة وتجاوزه دور وفد وزارة الدفاع الإسرائيلية المكلف بعقد صفقات السلاح مع ألمانيا. لقد توجت كل هذه العواصف بتدخلين من شخصيتين إسرائيليتين مهمتين ضد سياسات نتنياهو الخاصة بالعرب والمسلمين. جاء التدخل الأول من داخل معسكر اليمين على لسان رئيس الدولة الإسرائيلية «رؤوفين رفلين» الذي أطلق تصريحاً ضد مشروع منع الأذان واجتمع بزعماء مسلمين ويهود للتباحث معهم حول كيفية تسوية الموقف، وعقب الاجتماع قال أحد المسؤولين في الرئاسة إن الرئيس الإسرائيلي لا يرى ضرورة لمشروع قانون منع الأذان، وأنه يرى الاكتفاء بالقانون المطبَّق بالفعل لمنع الضوضاء والحوار بين الطوائف الدينية في إسرائيل. لقد أحدث الرئيس الإسرائيلي، رغم أن سلطاته شرفية، تأثيراً في الموقف وفي الرأي العام ضد مشروع القانون. أما التدخل الثاني ضد سياسات نتنياهو فجاء من المعسكر المعارض على لسان إيهود باراك رئيس الوزراء الأسبق، حيث وجه انتقادات شديدة لمعسكر اليمين الحاكم وزعيمه نتنياهو، واتهم زعماء هذا المعسكر بمحاولة استغلال موجة الحرائق للتحريض ضد المواطنين العرب وإذكاء روح القومية العنصرية اليهودية المتطرفة ضدهم، وذلك خدمة لأيديولوجيتهم المتطرفة ونزعتهم القومية الشعبوية المظلمة التي قال باراك إنها مصدر التهديد الرئيس اليوم لمستقبل إسرائيل وهويتها وتماسكها. وما زال المشهد الإسرائيلي مفتوحاً لمزيد من العواصف.